كان المراد معنى آخر يمكن أن يحصل الغليان بدونه معتبرا معه في تحقق الحرمة فلا دليل عليه في الروايات، بل إنها إنما تدل على استقلال مجرد الغليان في علية الحرمة من غير اعتبار غيره فيها إلا على سبيل الدلالة عليه كالقلب والنشيش على ما مر وكاصابة النار فيما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل عصير أصابته النار فهو حرام، حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (1) فان إصابة النار بعنوان التأثير كما هو المراد من جملة أسباب الغليان، فتدل عليه دلالة السبب على المسبب وأما ترتب الحرمة على إصابة النار بخصوصها كما يتوهم من ظاهر الرواية، فليس بمقصود لدلالة الروايات الكثيرة على أنها مترتبة على الغليان سواء كان سببا عن الإصابة المذكورة أو عن غيرها، وقد صرح جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني بالتساوي بين كونه بالنار أو غيره، وعد صاحب الوسيلة الغليان بنفسه من موجبات الحرمة.
قيل: فالوجه في تخصيص المذكور اعتبار الفرد الغالب وخصوصية الغاية المذكورة فان ذهاب الثلثين هو غاية الحرمة التي تتحقق بهذا السبب الخاص لا غاية الحرمة المطلقة، فان ما يحرم غليانه بنفسه إنما تكون غاية حرمته هي الخلية بدون اعتبار ذهاب الثلثين.
وأقول: الظاهر أن كلا من ذهاب الثلثين والخلية كافيان في الحلية ما لم يصر مسكرا، ومع الاسكار فلابد من الخلية، ولا ينفع ذهاب الثلثين، والغالب عدم تحقق الخلية بدون الخمرية، وما وقع في الاخبار وكلام الأصحاب من التخصيص كأنه مبنى على الغالب، قال ابن البراج في المهذب: كل عصير لم يغل فإنه حلال استعماله على كل حال، والغليان الذي معه يحرم استعماله هو أن يصير أسفله أعلاه بالغليان فان صار بعد ذلك خلا جاز استعماله وإذا طبخ العصير على النار وغلا ولم يذهب ثلثاه لم يجز استعماله، فان ذهب ثلثاه وبقي الثلث جاز استعماله، وحد ذلك أن يصير حلوا يخضب الاناء.