المقدمة الثانية: في مرتبة هذا العلم اعلم أن العلوم قد يتقدم بعضها على بعض إما لتقدم موضوعاتها، أو لتقدم غاياتها، أو لاشتمالها على مبادئ العلوم المتأخرة، أو لأمور أخر ليس هذا موضع ذكرها.
والحق عندي أن مرتبة هذا العلم متأخرة عن غيره بالاعتبار الثالث، وذلك لافتقاره إلى سائر العلوم، واستغنائها عنه.
أما تأخره عن علم الكلام فلأن هذا العلم باحث عن كيفية التكليف، وهو لا شك مسبوق بالبحث عن معرفة التكليف والمكلف.
وأما تأخره عن علم أصول الفقه فظاهر، لأن هذا العلم ليس ضروريا بل لا بد فيه من الاستدلال، وأصول الفقه متكفل ببيان كيفية ذلك الاستدلال، وبهذا الاعتبار كان متأخرا عن علم المنطق المتكفل ببيان فساد الطرق وصحتها.
وأما اللغة والنحو والتصريف، فلأن مبادئ هذا العلم إنما هو القرآن والسنة وغيرهما، ولا شك في أن القرآن والسنة عربيان فوجب تقديم البحث عن اللغة والنحو والتصريف على البحث عن هذا العلم، فهذه العلوم التي يحتاج هذا العلم إلى تقدم معرفتها.
المقدمة الثالثة: في موضوع هذا العلم ومبادئه ومسائله اعلم أن كل علم على الإطلاق لا بد وأن يكون باحثا عن أمور لاحقة لغيرها، وتسمى تلك الأمور مسائل ذلك العلم، وذلك الغير موضوعه، ولا بد له من مقدمات يتوقف الاستدلال عليها، ومن تصورات للموضوع وأجزائه وجزئياته إن كانت، ويسمى ذلك أجمع بالمبادئ.