الأولى: في ذكر الغرض من هذا العلم، ووجه الحاجة إليه قد بينا في كتبنا العقلية: إن الله تعالى إنما فعل الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية، لا لمجرد العبث والاتفاق (1) كما قاله بعض من لا تحصيل (2) ولا شك أن أشرف الأجسام السفلية، هو: نوع الإنسان، فالغرض لازم في خلقه ولا يمكن أن يكون الغرض منه حصول ضرر له، فإن ذلك إنما يقع من المحتاج أو الجاهل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فلا بد وأن يكون هو النفع، ولا يجوز عوده إليه تعالى لاستغنائه، فلا بد وأن يكون عائدا إلى العبد.
ثم لما بحثنا عن المنافع الدنيوية وجدناها في الحقيقة غير منافع، بل هي دفع آلام، فإن كان فيها شئ يستحق أن يطلق عليه اسم النفع فهو يسير جدا، ومثل هذا الغرض لا يمكن أن يكون غاية في حصول هذا المخلوق الشريف، خصوصا مع انقطاعه وشوبه بالآلام المتضاعفة، فلا بد وأن يكون الغرض شيئا آخر مما يتعلق بالمنافع الأخروية.
ولما كان ذلك النفع من أعظم المطالب، وأنفس المقاصد، لم يكن مبذولا لكل أحد، بل إنما يحصل بالاستحقاق، وذلك لا يكون إلا بالعمل في هذه الدار، المسبوق بتحصيل كيفية العمل المشتمل عليه هذا العلم، فكان ذلك من أعظم المنافع في هذا العلم، والحاجة إليه ماسة جدا لتحصيل هذا النفع والتخلص من العقاب الدائم.