الثاني: قال الشيخ (1) بنجاسة سؤر المجبرة والمجسمة (2)، وقال ابن إدريس بنجاسة غير المؤمن والمستضعف (3)، ويمكن أن يكون مأخذهما قوله تعالى: كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون " (4) والرجس: النجس، وقول ابن إدريس مشكل، وتنجيس سؤر المجبرة ضعيف، وفي المجسمة قوة.
الثالث: يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة، وهو قول السيد المرتضى (5).
لنا: ما أوردناه من الأحاديث العامة في استعمال سؤر الطيور والسباع، وهي لا تنفك عن تناول ذلك عادة، فلو كان ذلك مانعا لوجب التنصيص عليه، وإلا لزم صرف الظاهر إلى نادر لا دلالة للفظ الشامل عليه، وذلك بعيد ومحال حيث أنه تأخير للبيان عن وقت الحاجة.
وهكذا سؤر الهرة، وإن أكلت الميتة ثم شربت، قل الماء أو كثر، غابت عن العين أو لم تغب، لعموم الأحاديث المبيحة، ولأن النبي صلى الله عليه وآله نفى عموم النجاسة عنها مطلقا، اللهم إلا أن يكون أثر النجاسة ظاهرا على المنقار أو الفم، أو يشاهد في الماء. وعند الشافعية والحنابلة وجهان: أحدهما مثل قولنا، والثاني: إن لم تغب فالماء نجس، وهو ظاهر نص الشافعي، وإن غابت ثم عادت فشربت فوجهان: أحدهما: التنجيس، لأن الأصل بقاء النجاسة، والثاني: الطهارة لأصالة طهارة الماء (6)، ويمكن أن يكون وردت حال غيبوبتها على ماء كثير.