أكابر أقرانه، كما يعرف ذلك من طالع كتابه " الضوء اللامع " فإنه لا يقيم لهم وزنا، بل لا يسلم غالبهم من الحط منه عليه، وإنما يعظم شيوخه وتلامذته، ومن لم يعرفه ممن مات في أول القرن التاسع قبل موته، أو من كان من غير مصره، أو يرجو خيره أو يخاف شره. وما أحسن ما ذكره في كتابه " الضوء اللامع " في ترجمة " عبد الباسط بن يحيى شرف الدين " فإنه قال: وربما صرح بالانكار على الفقهاء فيما يسلكونه من تنقيص بعضهم لبعض.
هذا وقد تخرج بالسيوطي أئمة وكثير من الفضلاء. وكان خاتم الحفاظ وكان صاحب عبادة وكرامات.
فقد نقل عنه أنه كان يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأنه أخبر بكثير من المغيبات رضي الله عنه وأرضاه.
وفاته وضريحه: توفي السيوطي سحر ليلة الجمعة تاسع عشر من شهر جمادي الأولى من سنة (911 ه) كما ذكره الشعراني في ذيل طبقاته. وصلى عليه الشعراني بالروضة عقب صلاة الجمعة بجامع الشيخ أحمد الأباريقي، ثم صلى عليه خلق كثير مرة ثانية بالجامع الجديد في مصر العتيقة. وكان قد مرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر وأتم من حياته إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما. ونقل أنه قرأ عند احتضاره سورة يس.
ودفن بحوش قوصون - المسمى عند العامة " قيسون " - خارج باب القرافة عندما يسميه العامة الان " بوابة السيدة عائشة " وهي بنت جعفر الصادق. وذلك بالقاهرة زمان السلطان الغوري. وكان زمانه زمان جور. ولكن لم يتعرض أحد لتركته. وقال السلطان الغوري: لم يقبل الشيخ منا شيئا في حياته فلا نتعرض لتركته - وبنيت على قبره قبة. وعمل له بعض الامراء صندوقا من خشب وسترا أسود مطرزا بالأبيض بآية الكرسي - كما ذكره تيمور باشا. وبنت والدته على قبره بناء لطيفا. وقصد ضريحه للزيارة من سائر الأقطار للتبرك به من العلماء والامراء. وكان الناس يقيمون له حضرة كل أسبوع ثم اقتصروا على عمل مولد له كل عام في نصف شعبان في مدينة أسيوط. وليس لجلال الدين صلة بالضريح الذي بداخل المسجد المسمى بمسجد " سيدي جلال " الكائن بأسيوط. ولعل ذلك ضريح من بني تلك المدرسة التي أقيم فيها المسجد من أجداده. أو ضريح أحد من ذرية من بناها. ثم بمرور الزمن نسب إلى الجلال لشهرته.
والمحققون: على أنه لم يعقب، فالمنسوبون إليه في أسيوط ليسوا من ذريته، بل إما من نسل نظار المسجد أو خدمته كما حققه تيمور باشا.
وقد ترجم له: ابن إياس في تاريخه، والشعراني في ذيل طبقاته، والعزي في الكواكب السائرة وأطال، والعيدروس في النور السافر، وجمال الدين الشلي في السنا الباهر، والأسدي في طبقات الشافعية. وترجم لنفسه في حسن المحاضرة، وترجمه عبد الغني النابلسي في رحلته " الحقيقة والمجاز " عند ذكره لجامع قوصون، وزاره في ضريحه، وأبو العباس الفاسي في رحلته إلى الحجاز وكان قد زاره سنة (1211 ه) وترجمه بترجمة حسنة. وألف في تاريخه تلميذه عبد القادر بن محمد الشاذلي المالكي. روح الله روحه، وأنا ضريحه، وأفاض عليه من رضوانه، كلما استنارت بمؤلفاته القلوب ولمعت بأنوارها الغيوب.