أشد تغايرا من التيوس في زروبها، وقول المتنافسين لا يقبل في بعضهم، كما قرره العلماء، وجرى عليه علماء الجرح والتعديل من المحدثين، ومن أجل ذلك: ألف معاصروه المؤلفات، وألف السيوطي ومؤيدوه الردود، وكثر بينهم الجدل في مسائل علمية، قد تكون أسدت إلى العلم بفائدة - وأصبح في عصره معسكران، معسكر يقوده السخاوي، ومن قواده وجنوده: ابن الكركي برهان الدين بن زين الدين المتوفى سنة (922 ه)، وابن العليف أحمد بن الحسين المكي تلميذ الجوجري المتوفى سنة (926 ه)، والشمس الجوجري، وأحمد بن محمد القسطلاني المتوفى سنة (932 ه)، وشمس الدين الباني، وغيرهم - والمعسر الاخر يقوده السيوطي ومن أنصاره: الفخر الديمي، وأمين الدين الاقصراني، وزين الدين قاسم الحنفي، وسراج الدين العبادي، وغيرهم، وتبادل الفريقان التهم والنقائص والسباب، وذكر المثالب، وأخذت الخصومة بينهم زمنا ليس بقليل، وألفت رسائل ومقامات وكتب، شغلت من الوقت كثيرا.
ووقع بينهم نزاع في كثير من المسائل: بين السخاوي وغيره، وبين السيوطي، فمما ألفه السيوطي في الدفاع عن نفسه، وللرد على المسائل المتنازع فيها بينهم: الكاوي، في تاريخ السخاوي - ويعبر عنه الشوكاني بالكاوي لدماغ السخاوي - والجواب الزكي، عن قمامة ابن الكركي - والقول المجمل، في الرد على المهمل - والدوران الفلكي - والصارم الهندي في عنق ابن الكركي، وله في الرد على الشمس الجوجري: الحبل الوثيق في نصرة الصديق - وله الجهر، بمنع البروز إلى النهر، ومقامة تسمى: الفتاش على الفشاش - والمقامة اللؤلؤية، والاستبصار بالواحد القهار - الجنح إلى الصلح - وتنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء - وطرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة، وغير ذلك مما رد به على السخاوي وابن الكركي والبقاعي والشمس الجوجري والباني وغيرهم.
ومن المسائل التي نوزع فيها السيوطي وله عليها ردود في مؤلفاته: دعواه الاجتهاد - وتجديده الدين في المائة التاسعة - والقول بنجاة أبوي المصطفى - وسؤال الميت سبع مرات قي قبره - وتحريم البروز بالبناء في شطوط الأنهار - وحنث من حلف على ما مضى ناسيا - وأن الظهر هو الصلاة الوسطى - وتعزير من روى الحديث الموضوع - وإمكان رؤية النبي والملك في اليقظة - وضبط عبارة عياض في ختم الشفا: بخصيصي بالقصر - وتفضيل سيدنا أبي بكر وأنه ثابت بنص الكتاب - وعدم جواز ضرب المثل بالأنبياء فيما لا يكون في العرف قديما: كرعي الغنم.
ألف السخاوي كتابه " الضوء اللامع في تاريخ القرن التاسع " وترجم فيه للسيوطي، وهو على قيد الحياة ترجمة مظلمة، ليسجل على السيوطي أمورا في تاريخه قبل أن يموت السخاوي، انتقصه فيها وعابه في علمه ومؤلفاته، وقد مات السخاوي سنة (902 ه) قبل السيوطي إذ توفي سنة (911 ه) وقد رد السيوطي في مختلف كتبه على كثير من الطعون التي أوردها السخاوي وغيره.
قال الشوكاني: والسخاوي متحامل على أكابر أقرانه، ولا يسلم غالبهم منه وقال أيضا: ولا جرم فذلك دأبه في جميع الفضلاء من أقرانه. ويقول في تاريخه " الضوء اللامع ": وليته صان ذلك الكتاب الفائق عن الوقيعة في أكابر العلماء من أقرانه. وذكر قول السخاوي في البرهان البقاعي: إنه ما بلغ رتبة العلماء، بل قصارى أمره إدراجه في الفضلاء، وأنه ما علمه أتقن فنا. قال الشوكاني: إنه من الأئمة المتبحرين في جميع المعارف، وكان البقاعي منحرفا عن السخاوي، وهو من أوعية العلم. وكذلك وقع من السيوطي نفرة من البقاعي فأساء القول فيه في رسالته " تنبيه الغبي، بتبرئة ابن العربي " وما شد فيه البقاعي لا يخرجه من زمرة الفضلاء.
قال صاحب البدر الطالع: والسخاوي - رحمه الله - وإن كان إماما غير مدفوع، لكنه كثير التحامل على