أن أكتب في كل مسألة مصنفا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية، ومداركها ونقوضها، وأجوبتها، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها، لقدرت على ذلك، من فضل الله تعالى، لا بحولي ولا بقوتي ".
وكان سريع الكتابة حاضر البديهة، صحيح العقيدة، متواضعا قنوعا أبدا، لا يقبل جوائز الامراء والملوك، وقد أهدى له السلطان الغوري خصيا وألف دينار، فرد الألف، وأخذ الخصي فأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية بالمدينة، وقال لقاصد السلطان: " لا تعد فتأتينا بهدية قط، فإن الله سبحانه وتعالى أغنانا عن مثل ذلك ".
أفتى السيوطي في النوازل، وخرج الحوادث على أصول الإمام الشافعي، وألف في أكثر الفنون وأجاد وسارت فتاواه ومؤلفاته مسير الشمس في النهار، ورزق القبول من علماء الأمصار، وقد ذكر في " المقامة المزهرية " المسماة " بالنجح إلى الصلح " أنه تصدى للافتاء سبع عشرة سنة، وبقي في التدريس والافتاء إلى أن بلغ من العمر أربعين سنة. وبعد ذلك اعتذر وترك التدريس والافتاء، وتجرد للعبادة وتحرير مؤلفاته، وألف رسالة تسمى " التنفيس، في الاعتذار من ترك الافتاء والتدريس ". وذكر في مقامته " الاستنصار بالواحد القهار " أنه قاسى كثيرا من جراء الفتوى حتى ناله بسبب ذلك ما يصلح أن يكون عذرا له، وأنه لا يفتي أبدا، ولا يجيب سائلا عن مسألة. وذكر ذلك في " تنوير الحوالك " في شرح الموطأ، وفي المقامة اللؤلؤية. وسكن جزيرة الروضة المسماة اليوم المنيل. ووقف كتبه على أهل العلم وطلبته. وكان له شعر ونظم لكثير من العلوم، وأكثر شعره في الدرجة المتوسطة.
مؤلفات السيوطي: بارك الله للسيوطي في عمره ووقته: فألف في كل فن، وكان في بعض المؤلفات نسيج وحده كما يظهر ذلك من كتابه " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " ومن الأشباه والنظار " النحوية، ومن " همع الهوامع شرح جمع الجوامع " في النحو، ومن " جمع الجوامع " أو " الجامع الكبير " في الحديث. وما وقع في بعض مؤلفاته من شئ يحتاج إلى تحرير، فذلك شأن المكثرين من التأليف من مثل أبي الفرج بن الجوزي وغيره.
وقد كان السيوطي في أول أمره ملخصا ومختصرا، ولعل ذلك كان من الأسباب في اتساع أفقه وإمعانه في كثير من المسائل ثم انتهى أمره إلى الاستقلال في التأليف والتجويد والتحرير، وقد بلغت مؤلفاته حين ألف كتابه " حسن المحاضرة " نحوا من ثلاثمائة مؤلف، ما بين كبير في مجلد وصغير في كراريس وفي أوراق، بل وفي صفحات، بل وفي صفحة.
وقد ذكر تلميذه الداودي المالكي أنها زادت على خمسمائة مؤلف. وذكر ابن إياس أنها بلغت ستمائة مؤلف وذلك بعد تأليفه " حسن المحاضرة " وقد سرد السيوطي مؤلفاته في ذلك الوقت وذكر غيره ما زاد بعد ذلك.
منافسوه والطعون فيه: ادعى السيوطي الاجتهاد المطلق، وذكر ذلك في كتابه: " الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض " وفي شرحه: " الكوكب الساطع " على نظمه: لجمع الجوامع - وحسن المحاضرة - وطرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة - وفي مسالك الحنفا - وادعى أنه مجدد المائة التاسعة في منظومته " تحفة المهتدين، بأسماء المجددين "، وانتشرت فتاواه ومؤلفاته في عصره، وكاتبه المستفتون من سائر الأمصار، ولم يخالط الامراء ولا السلاطين. فتألب عليه معاصروه من أقرانه ومنافسوه من العلماء، وطعنوا في: طباعه، ومواهبه، وعلمه، ومؤلفاته، وتحاملوا عليه، ورموه بما ليس فيه، حسدا منهم، وحقدا عليه، لما ناله من الشهرة دونهم، كما هي عادة الاقران في كل زمان، مما ذكره ابن عبد البر في كتابه " جامع بيان العلم وفضله " وكما وقع لكثير من العلماء المعاصرين، للمنافسة العلمية، ممن هو أعلم وأورع من السيوطي، ومن منافسيه. والامر كما قال ابن عباس: العلماء