تقديم المشتري، وقيل وجوبا واختاره السبكي. وإنما بدأ به لأن جانبه أقوى لأن المبيع يعود إليه بعد الفسخ المترتب على التحالف، ولان ملكه على الثمن قد تم بالعقد وملك المشتري على المبيع لا يتم إلا بالقبض. (وفي قول) يبدأ (بالمشتري) ون البائع يدعي عليه زيادة ثمن، والأصل براءة ذمته منها، ولان المبيع في ملكه فيقوى جانبه. (وفي قول يتساويان) لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فلا ترجيح. وعلى هذا (فيتخير الحاكم) فيمن يبدأ به منهما، (وقيل يقرع) بينهما، كما لو حضرا معا للدعوى فيبدأ بمن خرجت قرعته. قال الامام: وتقديم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في الذمة، أما إذا كانا معينين أو في الذمة فلا يتجه إلا التسوية. والزوج في الصداق كالبائع فيبدأ به لقوة جانبه ببقاء التمتع له كما قوي جانب البائع بعود المبيع إليه، ولان أثر التحالف يظهر في الصداق لا في البضع وهو باذله فكان كبائعه. (والصحيح أنه يكفي كل واحد) منهما (يمين تجمع نفيا) لقول صاحبه، (وإثباتا) لقوله، لأن الدعوى واحدة ومنفي كل منهما في ضمن مثبته فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والاثبات، ولأنها أقرب لفصل الخصومة.
والثاني: أنه يفرد النفي بيمين والاثبات بأخرى لأنه مدع ومدعى عليه. وكان التعبير بالمذهب أولى كما في الروضة، لأن الأول منصوص مقطوع به. وقوله: ويكفي فيه إشعار بجواز العدول إلى اليمين وهو الظاهر، وإن أفهم كلام الماوردي خلافه. (ويقدم) في اليمين (النفي) ندبا لا وجوبا لحصول المقصود بكل منهما. (فيقول) البائع في قدر الثمن مثلا: والله (ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا) ويقول المشتري: والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا. وهذه الكيفية هي المشهورة في كلام الأصحاب. وقال الصيمري: يقول البائع: ما بعت إلا بكذا، ويقول المشتري: ما اشتريت إلا بكذا لأنه أسرع إلى فصل القضاء، ويلزمه الاكتفاء أيضا، إنما بعت بكذا وإنما اشتريت بكذا. والصحيح أن ذلك لا يكفي لأنهم إنما يكتفون في ذلك بالتصريح.
تنبيه: يفهم من كلام المصنف أنه لا يحتاج إلى صيغة حصر، وهو كذلك وإن كانت عبارة الروضة في البائع:
ما بعت بكذا وإنما بعت بكذا، وفي المشتري: ما اشتريت بكذا وإنما اشتريت بكذا، إذ لا حاجة إلى الحصر بعد النفي. (وإذا تحالفا فالصحيح أن العقد لا ينفسخ) بنفس التحالف لأن البينة أقوى من اليمين، ولو أقام كل منهما بينة لم ينفسخ فبالتحالف أولى. (بل إن تراضيا) على ما قاله أحدهما أقر العقد. قال القاضي: ولا رجوع لمن رضي صاحبه، وإن سمح أحدهما للآخر بما ادعاه أجبر الآخر، وإن أعرضا عن الخصومة أعرض عنهما كما نقله الأسنوي عن القاضي.
ويفهمه كلام ابن المقري في شرح إرشاده وإن فهم بعض المتأخرين عنه خلافه. (وإلا) بأن استمر نزاعهما، (فيفسخانه أو أحدهما) لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الرد بالعيب. (أو الحاكم) لقطع النزاع. وحق الفسخ بعد التحالف ليس على الفور، فلو لم يفسخا في الحال كان لهما بعد ذلك على الأشبه في المطلب لبقاء الضرر المحوج للفسخ. (وقيل إنما يفسخه الحاكم) لأنه فسخ مجتهد فيه فلا يفسخ أحدهما، وصححه جمع. ومقابل الصحيح أنه ينفسخ بالتحالف.
ولا بد أن يكون التحالف عند حاكم، فلو تحالفا بأنفسهما لم يكن لايمانهما تأثير في فسخ ولا لزوم، قاله الماوردي وغيره. والمحكم كالحاكم كما بحثه بعض المتأخرين. وإذا فسخا انفسخ ظاهرا وباطنا كالإقالة، وكذا إن فسخ القاضي أو الصادق منهما لتعذر وصولهما إلى حقهما كما في الفسخ بالافلاس، فلكل منهما التصرف فيما عاد إليه. وإن فسخ الكاذب لم ينفسخ باطنا لترتبه على أصل كاذب. وطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه وإن لم يرده، فإن أنشأ الفسخ أيضا فذاك وإلا فقد ظفر بمال من ظلمه فيتملكه إن كان من جنس حقه وإلا فيبيعه ويستوفي حقه من ثمنه. وللمشتري وطئ الجارية المبيعة حال النزاع وقبل التحالف على الأصح لبقاء ملكه، وفي جوازه فيما بعده