هنا كذلك؟ أجيب بأن عود النعل إلى المشتري متوقع، ولا سبيل هنا إلى تمييز حق البائع. والثاني: لا يسقط، لما في قبوله من المنة. وكلام المصنف والرافعي تبعا للامام والغزالي يقتضي إثبات الخيار للمشتري أولا حتى يجوز له المبادرة إلى الفسخ، فإن بادر البائع أولا فسامح سقط خياره، وهو كذلك، وإن قال في المطلب إنه مخالف لنص الشافعي والأصحاب فإنهم خيروا البائع أولا، فإن سمح بحقه أقر العقد وإلا فسخ. وقضية كلام الرافعي وتعليله أنه خيار عيب يستقل به المشتري، وهو كذلك، وإن نقل في الكفاية عن الماوردي أن الفاسخ هو الحاكم. وخرج بقبل التخلية التي قدرتها في كلامه ما لو وقع الاختلاط بعدها فلا يخير المشتري، بل إن توافقا على قدر فذاك وإلا صدق صاحب اليد بيمينه في قدر حق الآخر.
وهل اليد بعد التخلية للبائع أو للمشتري أو لهما؟ فيه أوجه، وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني. ولو اشترى شجرة وعليها ثمرة للبائع يغلب تلاحقها لم يصح إلا بشرط قطع البائع ثمرته، فإن شرط فلم يقطع أو كانت مما يندر تلاحقها وجرى الاختلاط كما سبق في ثمار المشتري لم ينفسخ، بل من سمح بحقه لصاحبه أجبر صاحبه على القبول، وإن تشاحا فسخ العقد كما مر. ولو باع جزة من ألقت مثلا بشرط القطع فلم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان، ويجريان أيضا فيما لو باع حنطة فانصب عليها مثلها قبل القبض وكذا في المائعات. ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فالصحيح الانفساخ لأن ذلك يورث الاشتباه وهو مانع من صحة العقد لو فرض ابتداء، وفي نحو الحنطة غاية ما يلزم الإشاعة وهي غير مانعة. (ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافية) من التبن، (وهو المحاقلة، ولا) بيع (الرطب على النخل بتمر وهو المزابنة) للنهي عنهما في خبر الصحيحين. وفي رواية للشافعي: والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة، والمزابنة أن يبيع التمر على رؤوس النخل بمائة فرق من التمر. قال الرافعي: إن كان هذا التفسير مرفوعا فذاك وإن كان من الراوي فهو أعرف بتفسير ما رواه. ولعدم العلم بالمماثلة فيهما، ولان المقصود من البيع في المحاقلة مستتر بما ليس من صلاحه، ولأنه حنطة وتبن بحنطة فبطل لقاعدة مد عجوة. فلو باع شعيرا في سنبله بحنطة وتقابضا في المجلس جاز لأن المبيع مرئي والمماثلة ليست بشرط لاختلاف الجنس، أو باع زرعا قبل ظهور الحب بحب جاز لأن الحشيش غير ربوي. ويؤخذ من ذلك أنه إذا كان ربويا اعتيد أكله كالحلبة امتنع بيعه بجنسه، وبه جزم الزركشي. والمحاقلة مأخوذة من الحقل بفتح الحاء وسكون القاف جمع حقلة، وهي الساحة الطيبة التي لا بناء فيها ولا شجر، سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقله. والمزابنة مأخوذة من الزبن بفتح الزاي وسكون الباء، وهو الدفع لكثرة الغبن فيها فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان.
تنبيه: فائدة ذكر هذين الحكمين تسميتهما بما ذكر وإلا فقد علما مما مر. (ويرخص في) بيع (العرايا) جمع عرية، وهي ما يفردها مالكها للاكل، لأنها عن حكم جميع البستان. (وهو بيع الرطب على النخل) خرصا (بتمر في الأرض) كيلا، (أو العنب في الشجر) خرصا (بزبيب) في الأرض كيلا. هذا مستثنى من بيع المزابنة لما في الصحيحين:
- عن سهل بن أبي حثمة - بالحاء المهملة المثلثة -: أن رسول الله (ص) نهى عن بيع الثمر - بالثاء المثلثة - بالتمر - بالتاء المثناة كما قاله المصنف في شرح مسلم - ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا. وقيس به العنب بجامع أن كلا منهما زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه. وأفهم كلامه أنهما لو كانا معا على الشجر أو على الأرض أنه لا يصح، وهو كذلك خلافا لبعض المتأخرين لأن الرخصة يقتصر فيها على ما ورد، وأنه لا يصح بيع الرطب بالرطب وهو كذلك كما مر في باب الربا. وكالرطب البسر بعد بدو صلاحه، لأن الحاجة إليه كالحاجة إلى الرطب، ذكره الماوردي والروياني، قيل: ومثله الحصرم. ورد بأن الحصرم لم يبد به صلاح العنب وبأن الخرص لا يدخله لأنه لم يتناه كبره بخلاف البسر فيهما.
تنبيه: محل الجواز في العرايا ما لم يتعلق بالثمر زكاة كأن خرصت عليه وضمن، أو قلنا الخرص تضمين أو لنقصها