مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٧
قال في المجموع: والامر كما قال الرافعي، أي من الاشكال، لكن الظاهر، أي من حيث النقل الصحة. أما الموافقة لفظا فلا تشترط، فلو قال: بعتك فقال: اشتريت أو نحوه صح، ولو قال: بعتك هذه الدار مثلا بألف على أن لي نصفها صح، كما لو قال: إلا نصفها. ولا ينعقد البيع بالألفاظ التي بمعنى الهبة، كما أعمرتك أو أرقبتك كما جزم به في التعليقة تبعا لأبي علي الطبري، فليس بصريح ولا كناية، خلافا لبعض المتأخرين، وإنما صحت الهبة بهذا اللفظ للنص. ولو قال : أسلمت إليك كذا في هذا الثوب مثلا فقبل لم ينعقد بيعا ولا سلما كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. ولا بد أن يقصد بلفظ البيع معنى البيع كما في نظيره في الطلاق، فلو لم يقصده أصلا كمن سبق لسانه إليه أو قصده لا لمعناه كمن لقن أعجميا ما لا يعرف مدلوله لم ينعقد، نعم إن قصد البيع أو غيره هازلا صح كما في الطلاق. (وإشارة الأخرس) وكتابته (بالعقد كالنطق) للضرورة، لأن ذلك يدل علما في فؤاده كما يدل عليه النطق من الناطق. ولا حاجة إلى قوله: من زيادته بالعقد، بل قال السبكي: إنها مضرة لأن الفسخ والدعاوى والأقارير ونحو ذلك كذلك، ولكن احترز به عن إشارته في الصلاة وبالشهادة وفيما إذا حلف لا يتكلم أو حلف عليه فليس لها حكم النطق. وأعاد المصنف هذه المسألة في الطلاق وضم الحلي إلى العقد، وسيأتي فيه إن شاء الله تعالى أن إشارته إن فهمها الفطن وغيره فصريحة، أو الفطن فقط فكناية.
تنبيه: قال بعض المتأخرين: ويحتاج المصنف أن يزيد فيه فيقول كالنطق فيه، وإلا يلزمه أن يكون قبول الأخرس البيع في الصلاة كقبول النطق فتبطل صلاته. ثم شرع في الركن الثاني وهو العاقد، وقدمه على المعقود عليه لتقدم الفاعل على المفعول طبعا، فقال: (وشرط العاقد) بائعا أو مشتريا (الرشد وهو أن يتصف بالبلوغ والصلاح لدينه وماله، فلا يصح من صبي وإن قصد اختباره ولا من مجنون ولا من محجور عليه بسفه ولو بغبطة، وإنما صح بيع العبد من نفسه لأن مقصوده العتق.
تنبيه: قال المصنف في دقائقه: إن عبارته أصوب من قول المحرر يعتبر في المتبايعين التكليف لأنه يرد عليه ثلاثة أشياء: أحدها أن ينتقض بالسكران فإنه يصح بيعه على المذهب مع أنه غير مكلف كما تقرر في كتب الأصول . الثاني: أنه يرد عليه المحجور عليه بسفه فإنه لا يصح بيعه مع أنه مكلف. والثالث: المكره بغير حق فإنه مكلف ولا يصح بيعه، قال: ولا يرد واحد منها على المنهاج اه‍. بل ولا على المحرر. أما السكران ففي كونه مكلفا خلاف، وقد نص الشافعي رحمه الله تعالى على أنه مكلف فقال: وهذا - أي السكران - آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم اه‍ . وسيأتي تحريره في الطلاق إن شاء الله تعالى. وأما السفيه والمكره فلان معنى قوله: ويعتبر في المتبايعين التكليف أنه لا بد في كل بيع منه وهو صحيح ولا يلزم عكسه، وهو اعتبار بيع كل مكلف، ولكن التعرض لهما أحسن لكن لا يردان على المحرر. واعترض عليه بأمور كما يدين الشخص يدان: أحدها أن تعبيره يخرج السكران أيضا كما أخرجه قيد التكليف عند الأصوليين إلا أن يفرض في سكر لا يخرجه عن الرشد لجهل أو إكراه وهو نادر. ثانيها: أن يرد عليه الفاسق فإن بيعه صحيح وليس برشيد، إذ الرشد صلاح الدين والمال. وثالثها: أنه يرد عليه أيضا من طرأ سفهه بعد فك الحجر عنه فإنه لا بد من إعادة الحجر عليه، فإذا باع قبل إعادة الحجر عليه صح مع أنه ليس برشيد. ورابعها: أن عبارته تتناول الصبي كما قال بعضهم فإنه وصفه بالرشد في قوله في الصيام: أو صبيان رشداء. وخامسها: الأعمى لا يصح بيعه ولا شراؤه كما سيأتي آخر الباب مع أنه رشيد، ولو عبر بمطلق التصرف لسلم من ذلك. (قلت: وعدم الاكراه بغير حق) فلا يصح عقد مكره في ماله بغير حق، لقوله تعالى، * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) *. ولا أثر لقول المكره بغير حق إلا في الصلاة فتبطل به في الأصح، ولا لفعله إلا في الرضاع والحدث والتحول عن القبلة وترك القيام في الفريضة مع القدرة، وكذا القتل ونحوه في الأصح، وكل هذا يأتي في باب الطلاق إن شاء الله تعالى. ويرد على الأول ما لو أكرهه على طلاق زوجة نفسه أو بيع ماله أو عتق عبده وما أشبه ذلك فإنه ينفذ، وعلى الثاني ما لو أكرهه
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429