مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٤
الناس بيعا، لأنه لم يثبت اشتراط لفظ فيرجع للعرف كسائر الألفاظ المطلقة، وبعضهم ك ابن سريج والروياني خصص جواز بيع المعاطاة بالمحقرات، وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة: كرطل خبز وحزمة بقل، وقال بعضهم: كل من وسم بالبيع اكتفى منه بالمعاطاة كالعامي والتاجر، وكل من لم يعرف بذلك لا يصح منه إلا باللفظ. قال في المجموع: وأما إذا كان يأخذ من البياع ويحاسبه بعد مدة ويعطيه كما يفعل كثير من الناس فإنه باطل بلا خلاف لأنه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة فليعلم ذلك وليحذر منه ولا يغتر بكثرة من يفعله. قال الأذرعي: وهذا ما أفتى به البغوي، وذكر ابن الصلاح في فتاويه نحوه ، والظاهر أنه قاله تفقها ومن كلامه أخذ المصنف. لكن الغزالي في الاحياء مسامح في ذلك، فقال: وأخذ الحاجة من البياع يقع على ضربين: أحدهما أن يقول: أعطني بكذا لحما أو خبزا مثلا وهذا هو الغالب، فيدفع إليه مطلوبه فيقبض ويرضى به، ثم بعد مدة يحاسبه ويؤدي ما اجتمع عليه، فهذا مجزوم بصحته عند من يجوز المعاطاة فيما أراه. والثاني:
أن يلتمس مطلوبه من غير تعرض لثمن، كأعطني رطل خبز أو لحم مثلا فهذا محتمل. وهو ما رأى الغزالي إباحته ومنعها المصنف. وقوله: أنه لا يعد معاطاة ولا بيعا فيه نظر بل يعده الناس بيعا، والغالب أن يكون قدر ثمن الحاجة معلوما لهما عند الاخذ والعطاء وإن لم يتعرضا له لفظا أه‍. وأشار المصنف بكاف التشبيه فيما ذكره من صيغ الايجاب والقبول إلى عدم الحصر فيه فيكفي غيره كما تقدم بعض ذلك. ومن ألفاظ صيغ الايجاب: صارفتك في بيع النقد بالنقد، أو قررتك بعد الانفساخ بأن يقول البائع بعد انفساخ البيع: قررتك على موجب العقد الأول فيقبل صاحبه كما اقتضاه كلام الشيخين في القراض، ووليتك وأشركتك. ومن ألفاظ القبول: صارفت وتقررت بعد الانفساخ في جواب قررتك، وتعوضت في جواب عوضتك ، وقد فعلت في جواب اشتر مني ذا بكذا كما جزم به الرافعي في النكاح، وفي جواب بعتك كما في زيادات العبادي، نقله عنها الأسنوي، وبكاف الخطاب في الايجاب إلى أمرين: أحدهما أن إسناد البيع إلى المخاطب لا بد منه، ولو كان نائبا عن غيره حتى لو لم يسند إلى أحد كما يقع في كثير من الأوقات أن يقول المشتري للبائع: بعت هذا بعشرة مثلا، فيقول: بعت فيقبله المشتري لم يصح، وكذا لو أسنده إلى غير المخاطب كبعت موكلك بخلاف النكاح فإنه لا يصح إلا بذلك، لأن الوكيل ثم سفير محض. وقد لا يعتبر الخطاب كما في مسألة المتوسط، وهي أن يقول شخص للبائع: بعت هذا بكذا، فيقول: نعم أو بعت، ويقول للآخر: اشتريت، فيقول: نعم أو اشتريت، فينعقد البيع لوجود الصيغة. ولو كان الخطاب من أحدهما للآخر فظاهر كلام الحاوي الصحة، وجرى على ذلك شيخنا في شرح البهجة، والمعتمد كما قال شيخي عدم الصحة لأن المتوسط قائم مقام المخاطبة ولم يوجد. نعم إن أجاب المشتري بعد ذلك صح فيما إذا قال البائع: نعم دون بعت ولا يشترط في المتوسط التكليف لأن العقد لا يتعلق به. ولو قال: اشتريت منك هذا بكذا فقال البائع: نعم أو قال: بعتك فقال المشتري : نعم صح كما ذكره في الروضة في باب النكاح استطرادا، وإن خالف في ذلك شيخنا في شرح البهجة، وعلل ذلك بأنه لا التماس فلا جواب. ويدل لصحة القبول ب‍ نعم متأخرة عبارة ابن قاضي عجلون في تصحيحه، ويمتنع الابتداء بنعم بناء على صحة القبول بها متأخرة وهو الأصح أه‍. الأمر الثاني: لا بد من إسناده إلى جملته فلا يصح: بعته، ليدك أو لنصفك وذكر الرافعي في الركن الثاني من كتاب الظهار ضابط ما يصح إسناده إلى الجزء وما لا يصح فقال قال الأصحاب: ما يقبل التعليق من التصرفات تصح إضافته إلى بعض محل ذلك التصرف كالطلاق والعتاق، وما لا يقبله لا تصح إضافته إلى بعض المحل كالنكاح والرجعة أه‍. فإن قيل: الكفالة لا يصح تعليقها وتصح إضافتها إلى جزء لا يبقى الشخص بدونه كرأسه.
أجيب بأن المراد تصح إضافته إلى أي جزء كان، وهذا إلى جزء مخصوص.
تنبيه: اعتبار الصيغة جار حتى في البيع الضمني لكن تقديرا، كأن يقال: أعتق عبدك عني على كذا ففعل ، فإنه يعتق عن الطالب ويلزمه العوض كما سيأتي في الكفارة، فكأنه قال: بعنيه وأعتقه عني وقد أجابه. وسكت المصنف عن صيغة الثمن لوضوح اشتراط أنه لا بد من ذكره، وله صيغ منها أن يقول بكذا كما مرت الإشارة إليه وهي الأصل، ومنها: على أن تعطيني كذا، ومنها: ولي عليك كذا أو يقول المشتري: ولك علي كذا. ومنها: بعتك على ألف ونحو ذلك.
(ويجوز تقدم لفظ المشتري) على لفظ البائع لحصول المقصود مع ذلك. ومنع الامام والقفال تقدم قبلت وهو قضية
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429