مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣
إنما هو بيع الأعيان لا بيع المنافع، لأن بيع المنافع جنس برأسه، وإذا ثبت أن المنافع لا تسمى مالا حقيقة لم ترد على الحد لأن المجاز لا يدخل في الحدود. فإن قيل: قد نص الشافعي رحمه الله تعالى على أن الإجارة بيع منفعة كما نقله الإسماعيلي في كتاب الاصطلام. أجيب أنه محمول على ضرب من التوسع كما مر لأن المنافع يقدر وجودها لأجل صحة العقد، وما دخله التقدير لا يكون حقيقة كما يقدر الميت حيا ليملك الدية وتورث عنه. وحده بعضهم بأنه عقد معاوضة مالية يفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد فدخل بيع حق الممر ونحوه وخرجت الإجارة بقيد التأقيت فإنها ليست بيعا، ولهذا لا تنعقد بلفظه كما مر، والقرض بقيد المعاوضة فإنه لا يسمى معاوضة عرفا، وعقد النكاح والخلع والصلح عن الدم بقيد الملك، فإن الزوج لا يملك منفعة البضع وإنما يملك أن ينتفع به، والزوجة والجاني لا يملكان شيئا، وإنما يستفيدان رفع سلطنة الزوج ، ومستحق القصاص على أن النكاح خرج بقيد المعاوضة أيضا فإنه لا يسمى معاوضة عرفا. وهذا الحد أولى من الأول لما لا يخفى. والأصل في الباب قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) *، وقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) *. وأظهر قولي الشافعي أن هذه الآية عامة في كل بيع إلا ما خص بالسنة فإنه (ص) نهى عن بيوع، والثاني: أنها مجملة والسنة مبينة لها. وتظهر فائدة الخلاف في الاستدلال بها في مسائل الخلاف، فعلى الأول يستدل بها وعلى الثاني لا يستدل، وأحاديث كحديث: سئل النبي (ص) أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور، أي لا غش فيه ولا خيانة. رواه الحاكم وصححه. وحديث: إنما البيع عن تراض. وأركانه كما في المجموع ثلاثة، وهي في الحقيقة ستة: عاقد وهو بائع ومشتر، ومعقود عليه وهو ثمن ومثمن، وصيغة وهي إيجاب وقبول. وكان الأولى للمصنف أن يقدم الكلام على العاقد ثم المعقود عليه ثم الصيغة، لكنه بدأ بها كما قال الشارح لأنها أهم للخلاف فيها، وأولى من ذلك أن يقال لأن العاقد والمعقود عليه لا يتحقق إلا بها، وعبر عنها بالشرط خلاف تعبيره في المجموع ك الغزالي بأركان البيع ، والتعبير بالركن أولى. نعم قد يراد بالشرط ما لا بد منه فيساوي التعبير بالركن، فقال: (شرطه) أي البيع صيغة، وهي (الايجاب) من البائع، وهو ما يدل على التمليك بعوض دلالة ظاهرة، (كبعتك) بكذا (وملكتك) بكذا، وهذا مبيع منك بكذا أو أنا بائعه لك بكذا كما بحثه الأسنوي وغيره قياسا على الطلاق، وكهذا لك بكذا كما نص عليه في الام . تنبيه: عبارة المحرر: كبعتك أو ملكتك، وهي أولى لأنها تدل على الاكتفاء بأحدهما، بخلاف عبارة المصنف.
(والقبول) من المشتري، وهو ما يدل على التمليك دلالة ظاهرة، (كاشتريت وتملكت وقبلت) ورضيت كما ذكره القاضي حسين عن والد الروياني، ونعم في الجواب كما سيأتي وتوليت ونحوها، وبعت على ما نقله في شرح المهذب عن أهل اللغة والفقهاء ، فلا يصح البيع بدون إيجاب وقبول، حتى إنهما يشترطان في عقد تولي الأب طرفيه كالبيع لماله من طفله وعكسه فلا يكفي أحدهما، إذ معنى التحصيل غير معنى الإزالة، وكالطفل المجنون وكذا السفيه إن بلغ سفيها، وإلا فوليه الحاكم فلا يتولى الطرفين لأن شفقته ليست كشفقة الأب، فلو وكل الحاكم الأب في هذه الصورة لم يتول الطرفين لأنه نائب عن الحاكم فلا يزيد عليه. وهل للأب أن يبيع مال أحد ابنيه من الآخر وهما تحت حجره؟ فيه وجهان، والظاهر منهما الصحة.
وإنما احتيج في البيع إلى الصيغة لأنه منوط بالرضا لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * ولقوله (ص): إنما البيع عن تراض صححه ابن حبان. والرضا أمر خفي لا يطلع عليه، فأنيط الحكم بسبب ظاهر وهو الصيغة، فلا ينعقد بالمعطاة إذ الفعل لا يدل بوضعه، فالمقبوض بها كالمقبوض ببيع فاسد، فيطالب كل صاحبه بما دفع إليه إن بقي، وببدله إن تلف. وقال الغزالي: للبائع أن يتملك الثمن الذي قبضه إن ساوى قيمة ما دفعه لأنه مستحق ظفر بمثل حقه والمالك راض. هذا في الدنيا وأما في الآخرة فلا مطالبة لطيب النفس بها. واختلاف العلماء فيها نقله في المجموع عن ابن أبي عصرون وأقره قال: وخلاف المعاطاة في البيع يجري في الإجارة والرهن والهبة ونحوها، قال في الذخائر: وصورة المعاطاة أن يتفقا على ثمن ومثمن، ويعطيا من غير إيجاب ولا قبول، وقد يوجد لفظ من أحدهما. واختار المصنف وجماعة منهم المتولي والبغوي الانعقاد بها في كل ما يعده
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429