مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣٧٨
تنبيه: ظاهر كلامه كغيره أنه يصح وقف المشاع مسجدا، وبه صرح ابن الصلاح، وقال: يحرم المكث فيه على الجنب تغليبا للمنع وتجب القسمة لتعينها طريقا. قال السبكي: والقول بوجوبها مخالف للمذهب المعروف - يعني من منع قسمة الوقف من المطلق - إلا أن يكون فيه نقل صريح بخصوصه، وأفتى البارزي بجواز المكث فيه ما لم يقسم، كما يجوز للجنب حمل المصحف مع الأمتعة، واعترضه السبكي بأن محل جواز حمل المصحف مع الأمتعة إذا لم يكن مقصودا اه‍.
وكلام ابن الصلاح هو الظاهر كما قاله ابن شهبة. وتستثنى هذه الصورة من منع قسمة الوقف من المطلق للضرورة، ولا فرق بين أن يكون الموقوف مسجدا هو الأقل أم لا. فإن قيل: ينبغي عدم حرمة المكث فيما إذا كان الموقوف مسجدا أقل كما أنه لا يحرم حمل التفسير إذا كان القرآن أقل على المحدث. أجيب بأن المسجدية هنا شائعة في جميع أجزاء الأرض غير متميزة في شئ منها فلم يمكن تبعية الأقل للأكثر إذ لا تبعية إلا مع التمييز، بخلاف القرآن فإنه متميز عن التفسير فاعتبر الأكثر ليكون الباقي تابعا، ومر في باب الاعتكاف أنه لا يصح الاعتكاف فيه. (لا عبد وثوب) مثلا (في الذمة) سواء في ذلك ذمته وذمة غيره، كأن يكون له في ذمة غيره عبد أو ثوب بسلم أو غيره فلا يصح وقفهما إذ لا ملك والوقف إزالة ملك عن عين. نعم يصح وقفهما بالتزام نذر في ذمة الناذر، كقوله لله علي وقف عبد أو ثوب مثلا ثم يعينه بعد ذلك. (ولا) يصح (وقف حر نفسه) لأن رقبته غير مملوكة، كما لا يهب نفسه. ولا يصح وقف المنفعة دون الرقبة مؤقتة كانت كالإجارة أو مؤبدة كالوصية، لأن الرقبة أصل والمنفعة فرع، والفرع يتبع الأصل. (وكذا مستولدة وكلب معلم) أو قابل للتعليم كما بحثه السبكي، (وأحد عبديه) لا يصح وقف واحد منهم (في الأصح) لأن المستولدة آيلة إلى العتق وليست قابلة للنقل إلى الغير، وبهذا فارقت صحة وقف المعلق عتقه بصفة، والكلب غير مملوك وأحد العبدين مبهم. والثاني: يصح في أم الولد قياسا على صحة إجارتها، وفي الكلب كذلك على رأي، وفي أحد العبدين قياسا على عتقه. وفرق الأول بأن العتق أنفذ بدليل سرايته وتعليقه، أما غير المعلم والقابل للتعليم فلا يصح وقفه جزما. (ولو وقف بناء أو غرسا في أرض مستأجرة لهما) أو مستعارة كذلك، أو موصى له بمنفعتها، (فالأصح جوازه) سواء أكان الوقف قبل انقضاء المدة أم بعده كما صرح به ابن الصلاح، أو بعده رجوع المعير، لأن كلا منهما مملوك يمكن الانتفاع به في الجملة مع بقاء عينه، ويكفي دوامه إلى القلع بعد مدة الإجارة أو رجوع المعير. والثاني: المنع، لأنه معرض للقلع فكأنه وقف ما لا ينتفع به.
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه لو غرس أو بنى بعد انقضاء مدة الإجارة أو رجوع المعير أنه لا يصح وقفه، وهو كذلك، لأنه غير موضوع بحق، ولذا قال شيخنا في منهجه: وبناء وغراس وضعا بأرض بحق اه‍. ولو قلع البناء بعد انقضاء مدة الإجارة أو رجوع المعير بقي وقفا كما كان إن نفع، فإن لم ينفع فهل يصير ملكا للواقف أو للموقوف عليه؟ وجهان، قال الأسنوي: والصحيح غيرهما وهو شراء عقار أو جزء من عقار، ويقاس بالبناء في ذلك الغراس. وقال السبكي:
الوجهان بعيدان، وينبغي أن يقال الوقف باق بحاله وإن كان لا ينتفع به، لأنا لو جعلناه ملكا للموقوف عليه أو للواقف لجاز بيعه وبيع الوقف ممتنع اه‍. وكلام الأسنوي هو الظاهر إن كان الغراس ما بقي يصلح إلا للاحراق وصارت آلة البناء لا تصلح له، وإلا فكلام السبكي وأرش النقص الحاصل بقطع الموقوف يسلك به مسلكه فيشترى به شئ ويوقف على تلك الجهة.
فرع: لو شرط الواقف صرف أجرة الأرض المستأجرة من ريع الموقوف هل يصح الوقف أو لا؟ قيل: لا يصح، لأن الأجرة دين في ذمته فأشبه ما لو وقف على قضاء دينه. وقال ابن دقيق العيد: الظاهر الصحة، ووقف البناء لا يمنع وجوب أجرة القرار فإذا شرط صرف الأجرة من ريعه فقد شرط ما يوافق مقتضى العقد ولا ينافيه شرعا، قال الزركشي:
وقد صرح ابن الأستاذ بأن الأجرة من ريع الوقف إن شرط الواقف ذلك أو سكت عنه اه‍. وما بحثه ابن دقيق العيد
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429