والثاني لما يعلف به كرياضتها للجهالة (ولا) يصح أيضا استئجار سلاخ (ليسلخ) الشاة (بالجلد) الذي عليها (ولا) طحان على أن (يطحن) البر مثلا (ببعض الدقيق) منه كربعة (أو بالنخالة) منه للجهل بثخانة الجلد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على الأجرة حالا، وقد روى الدارقطني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان، وفسر بأن يجعل أجرة الطحن قفيزا مطحونا، الضابط في هذا أن تجعل شيئا يحصل بعمل الأجير.
قال السبكي: ومنه ما يقطع في هذه الأزمان من جعل أجرة الجاني العشر مما يستخرجه. قال فإن قيل: لك نظير العشر لم تصح الإجارة أيضا وفى صحة جعالة نظر اه والظاهر فيها البطلان للجهل بالجعل.
(تنبيه) أطلق المصنف الطحن، وصورته أن يقول: لتطحن الكل أو يطلق. فإن قال لتطحن ما وراء الصاع المجعول أجرة صح كما قال الماوردي (ولو استأجرها) أي المرأة (لترضع رقيقا ببعضه) كربعه (في الحال جاز على الصحيح) ولا أثر لكون عملها يقع في مشترك المساقاة شريكة إذا شرط له زيادة من الثمر فإنه يجوز، وإن كان عمله يقع في مشترك كما مال إليه الإمام والغزالي، وقال ابن النقيب: إطلاق نص الأم أنه لا يجوز كونه أجيرا على شئ هو شريك فيه اه والتحقيق ما اختاره السبكي من أنه إن كان الاستئجار على الكل لم يجز، وهو مراد النص كأن يقول لغير شريكه اكتريتك لتطحن لي هذه الويبة بربعها ولشريكه فيها اكتريتك بربعها لتطحن لي حصتي، أو على حصته فقط جاز كقوله لغير شريكة اكتريتك بربعها لطحن لي باقيها ولشريكه فيها اكتريتك بربعها لتطحن لي باقي حصتي منها، وعلى هذا ينزل كلامهم. ثم شرع في الركن الرابع، وهو المنفعة وله خمسة شروط مبتدئا بأول الشروط، فقال (و) يشترط (كون المنفعة متقومة) لم يرد بالتقومة هنا مقابلة المثلة، بل مالها ليحسن بذل المال في مقابلتها كاستئجار دار للسكنى والمسك والرياحين للشم، فإنها إذا لم تكن قيمة إما لحرمتها أو لخستها أو قلتها يكون بذل المال في مقابلتها سفها وتبذيرا، وهذا الشرط معطوف على قوله معلومة كما يعلم من التقدير، وضابط ما يجوز استئجاره كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة معلومة مقصودة تضمن وتباح بالإباحة. ثم فرع على اشتراط تقويم المنفعة قوله (فلا يصح استئجار) تفاحة للشم لأنها تافهة لا تقصد له فهي كحبة بر في كحبة في البيع، فإن كثر التفاح صحت الإجارة لأن منه ما هو أطيب من كثير من الرياحين، ولا استئجار (بياع على كلمة لا تتعب) قائلها (وإن) كانت إيجابا وقبولا و (روجت السلعة) إذ لا قيمة لها. لكن لو استؤجر عليها ولم يتعب بتردد أو كلام فلا شئ له وإلا فله أجرة المثل. فإن قيل ذلك غير معقود عليه فهو متبرع به. أجيب بأنه لما كان المعقود عليه لا يتم إلا به عادة نزل منزلته. أما ما يحصل فيه التعب من الكلمات كما في بيع الثياب والعبيد ونحوهما مما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين فيصح الاستئجار عليه، ويلحق بما ذكره المصنف ما إذا استأجره ليعلمه آية لا تعب فيها كقوله تعالي " ثم نظر " كما صرحوا به في الصدق، وكذا على إقامة الصلاة إذا لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة مراعاة الوقت. قال الرافعي: وليست صافية من الإشكال وتقوى الصحة بالتبعية للأذان، وفى الاحياء لا يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء ينفرد به بمعرفته إذ لا مشقة عليه في التلفظ به بخلاف ما لو عرف الصيقل الماهر إزالة اعوجاج السيف والمرآة بضربة واحدة، فإن أخذ العوض وإن كثر لأن هذه صناعات يتعب في تعليمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه التعب، وأفتى القفال بأنه لا يصح استئجار له، وهذا هو الظاهر. وإن قال الأذرعي المختار ما قاله الغزالي (وكذا دراهم ودنانير للتزيين) للحوانيت ونحوها (وكلب) معلم (للصيد) ونحوه كحراسة ماشية أو زرع أو درب لا يجوز استئجار كل من ذلك (في الأصح في الجميع لأن سفعة التزيين بالنقد غير متقومة فلا تقابل بمال بخلاف إعارتها للزينة كما مر بابها، والكلب لا قيمة لعينه فكذا المنفعة. والثاني ينازع في مثل ذلك، ومثل التزيين في ذلك الضرب على سكتها والوزن بها. أما إذا لم يصرح بالتزيين أولم يكن الكلب