يكون أهلا للتبرع عليه بعقد فلا تصح لمن لا عبارة له كصبي ومجنون وبهيمة كما لا تصح الهبة منهم. قال في المهمات:
وقضية ذلك صحة استعارة السفيه، إذ الصحيح صحة قبوله الهبة والوصية، لكن كيف تصح استعارته مع أنها مضمونة لا جرم جزم الماوردي وغيره بعدم صحتها اه. وقضيته صحتها منه، ومن المجنون والصبي بعقد وليهما إذا لم تكن مضمونة كأن استعار من مستأجر، وهو واضح. ثم شرع في شرط الركن الثالث، فقال: (و) شرط (المستعار كونه منتفعا به) فلا يعار ما لا ينفع كالحمار الزمن. وأما ما توقع نفعه في المستقبل كالجحش الصغير، فالذي يظهر فيه أن العارية إن كانت مطلقة أو مؤقتة بزمن يمكن الانتفاع به فيه صحت وإلا فلا، ولم أر من تعرض لذلك. فإن قيل: يشترط في الإجارة أن يكون النفع موجودا عند العقد. أجيب بأن تلك مقابلة بعوض، وليس هذه كذلك. وكان ينبغي أن يقول انتفاعا مباحا ليخرج ما ينتفع به انتفاعا محرما كآلات الملاهي فإنه لا تصح إعارته، وأن تكون منفعة قوية فلا يعار النقدان إذ منفعة التزيين بهما والضرب على طبعهما منفعة ضعيفة قل ما تقصد ومعظم منفعتهما في الانفاق والاخراج، نعم إن صرح بالتزيين أو الضرب على طبعهما، أنوى ذلك كما بحثه شيخنا صحت لاتخاذه هذه المنفعة مقصدا وإن ضعفت. وينبغي مجئ هذا الاستثناء في المطعوم بالآتي كما قاله بعض المتأخرين. (مع بقاء عينه) كالعبد والثوب، فلا يعار المطعوم ونحوه، فإن الانتفاع به إنما هو بالاستهلاك فانتفى المقصود من الإعارة. قال الأسنوي: ويدخل في الضابط ما لو استعار قيم المسجد أحجارا أو أخشابا يبني بها المسجد، مع أنه لا يجوز كما أفتى به البغوي، لأن حكم العواري جواز استردادها، والشئ إذا صار مسجدا لا يجوز استرداده. (وتجوز إعارة جارية لخدمة امرأة أو) ذكر (محرم) للجارية لعدم المحذور في ذلك، وفي معنى المرأة والمحرم المسموح وزوج الجارية ومالكها كأن يستعيرها من مستأجرها أو الموصى له بمنفعتها والشيخ الهرم، وكذا الطفل قياسا على ما سيأتي في غير المشتهاة، وكذا المريض إذا لم يجد من يخدمه غير المرأة فيجوز إعارة الجارية لخدمته. وخرج بذلك الذكر الأجنبي، فلا تجوز إعارتها له لخوف الفتنة إلا أن تكون صغيرة لا تشتهى أو قبيحة يؤمن من الأجنبي عليها، فلا يحرم كما في الروضة لانتفاء خوف الفتنة وإن رجح بعض المتأخرين المنع فيهما. وقال الأسنوي، الصواب الجواز في الصغيرة دون الكبيرة. قال الزركشي: ويلحق بالمشتهاة الأمرد الجميل لا سيما من عرف بالفجور.
قال الأذرعي: وفي جواز إعارة الأمة المسلمة للكافرة الأجنبية منها لخدمتها التي لا تنفك عن رؤيتها معها نظر. وقال الزركشي لا وجه لاستثناء الذمية، فإنه إنما يحرم نظر الزائد على ما يبدو في المهنة وفيما وراء ذلك يمكن معه الخدمة اه. وهذا أوجه.
قال الأسنوي: وسكتوا عن إعارة العبد للمرأة، وهو كعكسه بلا شك. ولو كان المستعير أو المعار خنثى امتنع احتياطا، والمفهوم من الامتناع فيه وفي الأمة الفساد كالإجارة للمنفعة المحرمة، وهو ما بحثه في أصل الروضة وهو المعتمد، وإن جزم ابن الرفعة بالصحة. فإن قيل: قد صرحوا بجواز إجارة الأمة المشتهاة والوصية بمنافعها للأجنبي فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المستأجر والموصى له يملكان المنفعة فيعيران ويؤجران لمن يخلو بها إن امتنع عليهما الانتفاع بأنفسهما، والإعارة إباحة له فقط فإذا لم يستبح بنفسه لم يكن له فائدة. (ويكره) كراهة تنزيه كما جزم به الرافعي، (إعادة) وإجارة (عبد مسلم لكافر) لأن فيها امتهانا، وقيل: تحرم، واختاره السبكي. ويكره أن يستعير أو يستأجر أحد أبويه وإن علا للخدمة صيانة لهما عن الاذلال. نعم إن قصد باستعارته واستئجاره لذلك توقيره فلا كراهة فيهما بل هما مستحبان كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره في صورة الاستعارة. وأما إعارة وإجارة الوالد نفسه لولده فليستا مكروهتين وإن كان فيهما إعانة على مكروه، قال القرافي: لأن نفس الخدمة غير مكروهة، وإنما كانت الكراهة في جانب الولد لمكان الولادة فلم تتعد لغيره بخلاف إعارة الصيد من المحرم، فإن العبادة يجب احترامها لحق الله تعالى، وهو شامل لكل مكلف. لو قال: أعرني دابة فقال: أدخل الدار فخذ ما أردت صحت الإعارة، فإنه لا يشترط تعيين المستعار عند الإعارة، وخالفت الإجارة