إلا هذه الصورة: أي إذا كان ذلك بعد دخول الوقت والتمكن من الذبح، وإلا فلا ضمان على المعير ولا على المستعير، لأن يد المعير يد أمانة كالمستأجر، نبه على ذلك ابن العماد. (والمستعير من مستأجر إجارة صحيحة (لا يضمن) التالف (في الأصح) لأنه نائبه وهو لا يضمن. والثاني: يضمن كالمستعير من المالك، فإن كانت الإجارة فاسدة ضمنا معا، والقرار على المستعير كما قاله البغوي في فتاويه. فإن قيل: فاسد كل عقد كصحيحه فكان ينبغي هنا عدم الضمان.
أجيب بأن الفاسدة ليست حكم الصحيحة في كل ما يقتضيه، بل في سقوط الضمان بما يتناوله الاذن لا بما اقتضاه حكمها، والمستعير من الموصى له بالمنفعة الموقوفة عليه حيث يجوز له الإعارة كالمستعير من المستأجر. قال البلقيني:
والضابط لذلك أن تكون المنفعة مستحقة لشخص استحقاقا لازما وليست الرقبة له، فإذا أعار لا يضمن المستعير منه، وسيأتي حكم المستعير من الغاصب في بابه. ولو استعار فقيه كتابا موقوفا على المسلمين شرط واقفه أن لا يعار إلا برهن بحرز قيمته فسرق من حرزه لا ضمان، لأنه مستحق تلف في يده بلا تفريط وإن سمي عارية عرفا. قال الماوردي: ولا يجوز أن يؤخذ على العارية رهن ولا ضامن، فإن شرط فيها ذلك بطلت. (ولو تلفت دابته في يد وكيل) له (بعثه في شغله، أو) تلفت (في يد من سلمها إليه ليروضها) أي يعلمها المشي من غير تفريط، (فلا ضمان) على واحد منهما، لأنه لم يأخذها لغرض نفسه بل لغرض المالك. هذا إذا ركبها في الرياضة، فإن ركبها في غيرها فتلفت ضمن، وهكذا لو دفع إليه غلامه ليعلمه حرفة فاستعمله في غيرها. ولو أركب المالك دابته منقطعا في الطريق تقربا لله تعالى فتلفت ضمنها سواء التمس الراكب أم ابتدأه المركب، وإن أردفه فتلفت بغير الركوب فعليه نصف الضمان. ولو وضع متاعه على دابة شخص وقال له: سيرها ففعل فتلفت بغير الوضع ضمنها كسائر العواري، وإن كان عليها متاع لغيره فتلفت بذلك ضمن منها بقسط متاعه لأنه مستعير منها بقسطه مما عليه حتى لو كان عليها مثل متاعه ضمن نصفها، فإن سيرها مالكها بغير أمر الواضع فتلفت لم يضمن الواضع لأنها تحت يد مالكها، بل يضمن المالك متاعه إذ له طرحه عنها. ولو حمل صاحب الدابة متاع شخص بسؤال الشخص فهو معير، أو بسؤاله هو فهو وديع. (وله) أي المستعير (الانتفاع) بالمعار (بحسب الاذن) لرضا المالك به دون غيره. وقضية كلامه أنه لو أعاره دابة ليركبها إلى موضع ولم يتعرض للكروب في الرجوع أنه لا يركبها في الرجوع، لكن في الشرح والروضة: أو أخر الإجارة، عن العبادي: أن له الركوب في الرد، وأقراه، بخلاف الدابة المستأجرة إلى موضع فليس له ركوبها في الرجوع على الأصح. والفرق أن الرد لازم للمستعير فالاذن يتناول ركوبها في العود بالعرف، والمستأجر لا رد عليه، وإن استعار للكروب إلى موضع فجاوزه ضمن أجرة ذهاب مجاوزته عنه ورجوعه إليه تعذيبه. وهل له الرجوع بها إلى مكانها الذي استعارها منه أو لا؟ وجهان: أحدهما لا، لأن الاذن قد انقطع بالمجاوزة فيسلمها إلى حاكم تلك البلد. وثانيهما: نعم، وهو الأوجه، وصححه السبكي وتبعه البلقيني.
كما لا ينعزل الوكيل عن وكالته بتعديه بجامع أن كلا منهما عقد جائز، ولا يلزمه على هذا أجرة الرجوع. ونظير ذلك ما لو سافر بواحدة من نسائه بالقرعة وزاد مقامه في البلد الذي مضى إليه قضى الزائد لبقية نسائه، وفي قضاء الرجوع وجهان: أصحهما الافضاء. ولو أودعه ثوبا مثلا ثم أذن له في لبسه فإن لبسه صار عارية وإلا فهو باق على كونه وديعة. ولو استعار صندوقا فوجد فيه دراهم أو غيرها فهي أمانة عنده، كما لو طرحت الريح ثوبا في داره فإن أتلفها ولو جاهلا بها أو تلفت بتقصيره ضمنها. ثم شرع في الحكم الثاني، وهو تسلط المستعير على الانتفاع المأذون فيه، فقال: (فإن أعاره) أرضا (لزراعة حنطة) مثلا، (زرعها) لاذنه فيها (ومثلها) أو دونها في الضرر، فإن قال: ازرع البر فله زرع الشعير والباقلاء ونحوهما كالجلبان (1) والحمص لأن ضررها في الأرض فوق ضرر ما ذكر، وليس له أن يزرع ما فوقه كالذرة والقطن والأرز.
هذا (إن لم ينهه) عن غيرها فإن نهاه عنه لم يكن له زرعه تبعا لنهيه، كما لو قال: (اشتر بمائة ولا تشتر بخمسين)، ولو عين