مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٢٦٤
والابرة. وقال علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهما: الماعون الزكاة والطاعة. وقال عكرمة: أعلاها الزكاة وأدناها عارية المتاع. وقال البخاري: هو المعروف كله. وهي مندوب إليها، ففي الصحيحين: أنه (ص) استعار فرسا من أبي طلحة فركبه وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد جيد: أنه (ص) استعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال أغصب يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة. قال الروياني وغيره: وكانت واجبة أول الاسلام للآية السابقة، ثم نسخ وجوبها وصارت مستحبة، أي أصالة، وقد تجب كإعارة الثوب لدفع حر أو برد، وإعارة الحبل لانقاذ غريق، والسكين لذبح حيوان محترم يخشى موته. وأفتى أبو عبد الله الزبيدي بوجوب إعارة كتب الحديث إذا كتب صاحبها اسم من سمعه ليكتب نسخة السماع. قال الزركشي: والقياس أن العارية لا تجب عينا، بل هي أو النقل إذا كان الناقل ثقة، وقد تحرم كإعارة الصيد من المحرم والأمة من أجنبي، وإعارة الغلمان لمن عرف باللواط، وقد تكره كإعارة العبد المسلم من كافر. وأركانها أربعة: معير ومستعير ومعار وصيغة، وقد بدأ المصنف بأولها رحمه الله تعالى مبينا لشرطه فقال: و (شرط المعير صحة تبرعه) وأن يكون مختارا، لأن العارية تبرع بإباحة المنفعة فلا تصح ممن لا يصح تبرعه كصبي وسفيه ومفلس ومكاتب بغير إذن سيده، ولا من مكره. فإن قيل: يرد على المصنف جواز إعارة السفيه بدن نفسه إذا كان عمله ليس مقصودا في كسبه لاستغنائه بماله عنه. أجيب بأن ذلك لا يسمى عارية، لأن بدنه في يده، وكان الأولى أن يقول: تبرع ناجز، لأن السفيه أهل للتبرع بالوصية ولا تصح عاريته.
تنبيه: قضية كلامهم أن المفلس لا يعير العين. قال الأسنوي: والمتجه جوازه إذا لم يكن في الإعارة تعطيل للنداء عليها كإعارة الدار يوما، وهو ظاهر كما قاله بعض المتأخرين إذا لم تكن المنفعة تقابل بأجرة وإلا فيمتنع. (و) شرط للمعير أيضا (ملكه المنفعة) ولو بوصية أو وقف، وإن لم يملك العين، لأن الإعارة ترد على المنفعة دون العين. وقيد ابن الرفعة جواز الإعارة من الموقوف عليه إذا كان ناظرا وهو واضح. (فيعير مستأجر) لأنه مالك للمنفعة (لا مستعير على الصحيح) لأنه غير مالك للمنفعة وإنما أبيح له الانتفاع ولهذا لا يوجر والمستبيح لا يملك نقل ما أبيح له بدليل أن الضيف لا يبيح لغيره ما قدم له. والثاني: يعير كما أن للمستأجر أن، فإن أذن له المالك صحت الإعارة. قال الماوردي: ثم إن لم يسم من يعير له فالأول على عاريته وهو المعير من الثاني والضمان باق عليه وله الرجوع فيها، وإن ردها الثاني عليه برئ وإن سماه انعكس هذا الحكم. (و) لكن (له) أي المستعير (أن يستنيب من يستوفي المنفعة له) كأن يركب الدابة المستعارة وكيله الذي هو مثله أو دونه في حاجته أو زوجته أو خادمه، لأن الانتفاع راجع إليه بواسطة المباشرة. فإن قيل: يرد على قيد ملك المنفعة صحة إعارة الكلب للصيد مع أنه لا يملك، وصحة إعارة الأضحية والهدي المنذورين مع خروجهما عن ملكه، وصحة إعارة الإمام مال بيت المال من أرض وغيرها مع أنه ليس ملكا له. أجيب بأن هذه الأمور ليست عارية حقيقة بل شبيهة بها، وبأنهم أرادوا هنا بملك المنفعة ما يعم الاختصاص بها والتصرف فيها إلا بطريق الإباحة. قال شيخنا: وعلى هذا لا يرد ما عليه العمل من إعارة الصوفي والفقيه مسكنهما بالرباط والمدرسة وما في معناهما اه‍. أي على القول بجواز ذلك، والمعتمد أنه لا يجوز كما قاله الأذرعي وغيره.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه ليس للأب أن يعير ولده الصغير، وهو ما أطلقه صاحب العدة، وهو محمول كما في زيادة الروضة على خدمة تقابل بأجرة، وأما ما لا يقابل بأجرة لحقارته، فالظاهر الذي يقتضيه أفعال السلف أنه لا منع منه إذا لم يضر بالصبي. وقال الروياني: يجوز أن يعير ولده لخدمة من يتعلم منه، ويؤيده قصة أنس في الصحيح.
ولو استعار كتابا يقرأ فيه فوجد فيه خطأ لا يصلحه إلا أن يكون قرآنا فيجب كما قاله العبادي تقييده بالاصلاح يعلم أن ذلك لو كان يؤدي إلى نقص قيمته لرداءة خط ونحوه امتنع لأنه إفساد لماليته لا إصلاح، أما الكتاب الموقوف فيصلح جزما خصوصا ما كان خطأ محضا لا يحتمل التأويل. وسكت المصنف عن شرط المستعير، وهو الركن الثاني، وشرطه أن
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429