فرضه المصنف. أما لو قال: أعرتكها شهرا من الآن بعشرة أو لتعيرني فرسك سنة من الآن ففيه وجهان: أحدهما أنه إجارة صحيحة نظرا للمعنى، والثاني: عارية صحيحة نظرا للفظ، وأصحهما كما في الأنوار الأول.
تنبيه: قضية كلام الشيخين أن نفقة المستعار ليست على المستعير بل على المالك، وهو كذلك لأنها من حقوق الملك كما نقله المصنف في نكت التنبيه وسكت عليه وإلا لم يكن شرطه مفسدا، وإن كان في تعليق القاضي حسين أنها على المستعير. (ومؤنة الرد) للعارية إذا كان لها مؤنة (على المستعير) من المالك أو المستأجر أن نحوه كالموصى له بالمنفعة، لقوله (ص): على اليد ما أخذت حتى تؤديه حسنه الترمذي وصححه الحاكم. وأنه أخذها لنفسه، بخلاف الوديعة. هذا إن رد على من استعار منه، فلو استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة ورد على المالك فمؤنة الرد عليه كما لو رد عليه المستأجر، ويجب على المستعير الرد عند طلب المالك إلا إذا حجر على المالك المعير فإنه لا يجوز الرد إليه بل إلى وليه. ولو استعار مصحفا أو عبدا مسلما من مسلم ثم ارتد وطلبه لم يجز الرد إليه. ثم شرع في أحكام العارية، وهي ثلاثة: الأول الضمان وقد ذكره بقوله: (إن تلفت) أي العين المستعارة عند المستعير (لا باستعمال) لها مأذون فيه، (ضمنها وإن لم يفطر) لقوله (ص) في الحديث المتقدم أول الباب: بل عارية مضمونة، ولأنه مال يجب رده لمالكه فيضمن عند تلفه كالمستام، فلو أعارها بشرط أن تكون أمانة لغا الشرط كما ذكره الشيخان ولم يتعرضا لصحتها ولا لفسادها. ومقتضى كلام الأسنوي صحتها، وإليه يومئ تعبيرهما بأن الشرط لغو.
فرع: لو أعار عينا بشرط ضمانها عند تلفها بقدر معين فسد الشرط دون العارية كما قاله المتولي، وإن قال الأذرعي فيه وقفة. وفي كيفية ضمان العارية خلاف ذكره المصنف آخر البا ب. وسكت عن ضمان الاجزاء إذا أتلفت، والأصح أنها كالعين، وقيل: لا يضمنها إلا بالتعدي. ولو استعار حمارة معها جحش فهلك لم يضمنه، لأنه إنما أخذه لتعذر حسبه عن أمه، وكذا لو استعارها فتبعها ولدها، ولم يتعرض المالك له بنفي ولا إثبات، فهو أمانة. قاله القاضي: ولو استعار عبدا عليه ثياب لم تكن مضمونة عليه لأنه لم يأخذها ليستعملها بخلاف إكاف الدابة، قاله البغوي في فتاويه. واستثنى من ضمان العارية مسائل منها جلد الأضحية المنذورة، فإن إعارته جائزة، ولا يضمنه المستعير إذا تلف في يده كما قاله القاضي والبلقيني لابتناء يده على يد من ليس بمالك. ومنها المستعار للرهن إذا تلف في يد المرتهن لا ضمان عليه ولا على المستعير كما تقدم في باب الرهن. ومنها لو استعار صيدا من محرم فتلف في يده لم يضمنه في الأصح. ومنها ما لو أعار الإمام شيئا من بيت المال لمن له حق في بيت المال فتلف في يد المستعير فلا ضمان، لكن قد تقدم أن هذا ليس بعارية ومثله لو استعار الفقيه كتابا موقوفا على المسلمين لأنه من جملة الموقوف عليهم، وقد أفتى الأذرعي بأن الفقيه لا يضمن الكتاب الموقوف على المسلمين إذا استعاره وتلف في يده من غير تفريط. ومنها ما لو أصدق زوجته منفعة أو صالح على منفعة أو جعل رأس مال السلم منفعة، فإنه إذا أعارها مستحق المنفعة شخصا فتلفت تحت يد لم يضمن على الأصح.
(والأصح أنه) أي المستعير، (لا يضمن ما ينمحق) أي يتلف بالكلية، (أو ينسحق) أي ينقص كما في المحرر، (باستعمال) مأذون فيه لحدوث عن سبب مأذون فيه، فأشبه قوله: اقتل عبدي أو اقطع يده. والثاني: يضمن لحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه فإذا تعذر الرد ضمنه. (والثالث) وهو من زيادة المصنف: (يضمن المنمحق) دون المنسحق، لأن مقتضى الإعارة الرد ولم يوجد في المنمحق فيضمنه بخلاف المنسحق.
تنبيه: تلف الدابة بركوب أو حمل معتادين كالانمحاق وتعيبها بذلك كالانسحاق. ولو أعار سيفا يقاتل به فانكسر في القتال لم يضمنه كانسحاق الثوب، قاله الصيمري. ويستثنى الهدي والأضحية المنذوران يجوز إعارتهما. قال في أصل الروضة في الأضحية: وإن نقصا بذلك ضمن اه. فإن أراد المستعير فهو صريح في الاستثناء، وإن أراد المعير لزم منه ضمان المستعير أيضا. وصرح الزركشي أيضا بضمان المعير، ثم قال: وليس لنا عارية جائزة مع العلم بالحال يضمن المعير فيها