في هذا الزمان يأتيهم من يتهم بسرقة أو قتل أو نحوهما فيضربونه ليقر بالحق، ويراد بذلك الاقرار بما ادعاه خصمه، والصواب أن هذا إكراه، سواء أقر في حال ضربه أم بعد، وعلم أنه إن لم يقر بذلك لضرب ثانيا اه. وهذا متعين. ثم شرع في الركن الثاني ، فقال: (ويشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به) لأنه حينئذ يصادق محله وصدقه محتمل، وبهذا يخرج ما إذا أقرت المرأة بصداقها عقب النكاح لغيرها، أو الزوج ببدل الخلع عقب المخالعة لغيره، أو المجني عليه بالأرش عقب استحقاقه لغيره، لأن صدق هؤلاء غير محتمل. فإن قيل: الحصر في هذه الثلاثة غير مستقيم، فإن المتعة والحكومة والمهر الواجب عن وطئ شبهة وأجرة بدن الحر كذلك؟ أجيب بأنها راجعة إلى الثلاث، فالحكومة ترجع إلى الأرش والمتعة والمهر الواجب عن وطئ شبهة يرجع إلى الصداق. وأما ما ذكر من عدم صحة الاقرار بأجرة بدن الحر فممنوع، فإن الحر يحتمل أن يكون قد أجر بدنه قبل ذلك ثم وكله المستأجر في إجارة نفسه، ولا فرق فيما ذكر بين الدين والعين، حتى لو أعتق عبدا ثم أقر له هو أو غيره عقب عتقه بدين أو عين لم يصح، إذ أهلية الاستحقاق لم تثبت له إلا في الحال، ولم يجز بينهما ما يوجب المال.
(فلو قال لهذه الدابة) أو لدابة فلان (علي كذا فلغو) لأنها ليست أهلا للاستحقاق فإنها غير قابلة للملك في الحال ولا في المآل، ولا يتصور منها تعاطي السبب كالبيع ونحوه بخلاف الرقيق كما سيأتي. نعم لو أضافه إلى ممكن كالاقرار بمال من وصية ونحوها صح كما قاله الماوردي. ومحل البطلان كما قاله الأذرعي في المملوكة، أما لو أقر لخيل مسبلة فالأشبه الصحة كالاقرار لمقبرة، ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية لها، وبه صرح الروياني واقتضى كلامه أنه لا خلاف فيه. (فإن قال) علي (بسببها لمالكها) كذا، (وجب) لأنه إقرار للمالك لا لها، وهي السبب: إما بجناية عليها، وإما باستيفاء منفعتها بإجارة أو غصب، ويكون المقر به ملكا لمالكها حين الاقرار. فإن لم يقل (لمالكها) واقتصر على قوله: بسببها لم يلزم أن يكون المقر به لمالكها في الحال، بل يسأل ويحكم بموجب بيانه، إذ يحتمل أن يكون المقر به لغير مالكها، كأن تكون أتلفت شيئا على إنسان وهي في يد المقر. (ولو قال لحمل هند) علي أو عندي (كذا بإرث) من أبيه مثلا، (أو وصية) له من فلان أو بغيرهما مما يمكن في حقه، (لزمه) ذلك لأن ما أسنده إليه ممكن، والخصم في ذلك ولي الحمل. ولا بد من تعيين الحامل كما أشار إليه بهند لأن إبهامها يلزم منها إبهام المقر له وإبهامه مبطل للاقرار، ثم إن انفصل ميتا فلا حق له في الإرث والوصية وغيرهما مما أسند إليه، ويكون المقر به لورثة المورث أو الموصي أو لغيرهم مما أسند إليه أو حيا لدون ستة أشهر من حين سبب الاستحقاق كما قاله الأسنوي استحق، وكذا ستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين ما لم تكن أمه فراشا.
ثم إن استحق بوصية فله الكل، أو بإرث من الأب وهو ذكر فكذلك، أو أنثى فلها النصف، وإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية وأثلاثا إن أسنده إلى إرث واقتضت جهته ذلك، فإن اقتضت التسوية كولدي أم سوى بينهما في الثلث. وإن أطلق الاقرار بالإرث سألناه عن الجهة وعملنا بمقتضاها، فإن تعذرت مراجعة المقر قال في الروضة: فينبغي القطع بالتسوية، قال الأسنوي: وهو متجه. (وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه) كقوله: أقرضني أو باعني شيئا، (فلغو) للقطع بكذبه في ذلك، وهذا ما صححه في الروضة قال: وبه قطع في المحرر، والذي في الشرحين فيه طريقان أصحهما القطع بالصحة. والثاني: على القولين في تعقب الاقرار بما يرفعه. قال الأذرعي: وطريقة التخريج جزم بها أكثر العراقيين، وطريقة القطع بالصحة ذكرها المراوزة، وما صححه النووي ممنوع، ولم أر من قطع بإلغاء الاقرار، وما عزاه للمحرر بناء على ما فهمه من قول المحرر وإن أسنده إلى جهة لا تمكن فهو لغو من أنه أراد، فالاقرار لغو وليس مرادا، بل مراده: فالاسناد لغو، بقرينة كلام الشرحين، وذكر مثله صاحب الأنوار والزركشي، وهو كما قال شيخنا حسن، ومشيت عليه في شرح التنبيه. (وإن أطلق) الاقرار، أي لم يسنده إلى شئ، (صح في الأظهر)