مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٢٤١
في هذا الزمان يأتيهم من يتهم بسرقة أو قتل أو نحوهما فيضربونه ليقر بالحق، ويراد بذلك الاقرار بما ادعاه خصمه، والصواب أن هذا إكراه، سواء أقر في حال ضربه أم بعد، وعلم أنه إن لم يقر بذلك لضرب ثانيا اه‍. وهذا متعين. ثم شرع في الركن الثاني ، فقال: (ويشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به) لأنه حينئذ يصادق محله وصدقه محتمل، وبهذا يخرج ما إذا أقرت المرأة بصداقها عقب النكاح لغيرها، أو الزوج ببدل الخلع عقب المخالعة لغيره، أو المجني عليه بالأرش عقب استحقاقه لغيره، لأن صدق هؤلاء غير محتمل. فإن قيل: الحصر في هذه الثلاثة غير مستقيم، فإن المتعة والحكومة والمهر الواجب عن وطئ شبهة وأجرة بدن الحر كذلك؟ أجيب بأنها راجعة إلى الثلاث، فالحكومة ترجع إلى الأرش والمتعة والمهر الواجب عن وطئ شبهة يرجع إلى الصداق. وأما ما ذكر من عدم صحة الاقرار بأجرة بدن الحر فممنوع، فإن الحر يحتمل أن يكون قد أجر بدنه قبل ذلك ثم وكله المستأجر في إجارة نفسه، ولا فرق فيما ذكر بين الدين والعين، حتى لو أعتق عبدا ثم أقر له هو أو غيره عقب عتقه بدين أو عين لم يصح، إذ أهلية الاستحقاق لم تثبت له إلا في الحال، ولم يجز بينهما ما يوجب المال.
(فلو قال لهذه الدابة) أو لدابة فلان (علي كذا فلغو) لأنها ليست أهلا للاستحقاق فإنها غير قابلة للملك في الحال ولا في المآل، ولا يتصور منها تعاطي السبب كالبيع ونحوه بخلاف الرقيق كما سيأتي. نعم لو أضافه إلى ممكن كالاقرار بمال من وصية ونحوها صح كما قاله الماوردي. ومحل البطلان كما قاله الأذرعي في المملوكة، أما لو أقر لخيل مسبلة فالأشبه الصحة كالاقرار لمقبرة، ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية لها، وبه صرح الروياني واقتضى كلامه أنه لا خلاف فيه. (فإن قال) علي (بسببها لمالكها) كذا، (وجب) لأنه إقرار للمالك لا لها، وهي السبب: إما بجناية عليها، وإما باستيفاء منفعتها بإجارة أو غصب، ويكون المقر به ملكا لمالكها حين الاقرار. فإن لم يقل (لمالكها) واقتصر على قوله: بسببها لم يلزم أن يكون المقر به لمالكها في الحال، بل يسأل ويحكم بموجب بيانه، إذ يحتمل أن يكون المقر به لغير مالكها، كأن تكون أتلفت شيئا على إنسان وهي في يد المقر. (ولو قال لحمل هند) علي أو عندي (كذا بإرث) من أبيه مثلا، (أو وصية) له من فلان أو بغيرهما مما يمكن في حقه، (لزمه) ذلك لأن ما أسنده إليه ممكن، والخصم في ذلك ولي الحمل. ولا بد من تعيين الحامل كما أشار إليه بهند لأن إبهامها يلزم منها إبهام المقر له وإبهامه مبطل للاقرار، ثم إن انفصل ميتا فلا حق له في الإرث والوصية وغيرهما مما أسند إليه، ويكون المقر به لورثة المورث أو الموصي أو لغيرهم مما أسند إليه أو حيا لدون ستة أشهر من حين سبب الاستحقاق كما قاله الأسنوي استحق، وكذا ستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين ما لم تكن أمه فراشا.
ثم إن استحق بوصية فله الكل، أو بإرث من الأب وهو ذكر فكذلك، أو أنثى فلها النصف، وإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية وأثلاثا إن أسنده إلى إرث واقتضت جهته ذلك، فإن اقتضت التسوية كولدي أم سوى بينهما في الثلث. وإن أطلق الاقرار بالإرث سألناه عن الجهة وعملنا بمقتضاها، فإن تعذرت مراجعة المقر قال في الروضة: فينبغي القطع بالتسوية، قال الأسنوي: وهو متجه. (وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه) كقوله: أقرضني أو باعني شيئا، (فلغو) للقطع بكذبه في ذلك، وهذا ما صححه في الروضة قال: وبه قطع في المحرر، والذي في الشرحين فيه طريقان أصحهما القطع بالصحة. والثاني: على القولين في تعقب الاقرار بما يرفعه. قال الأذرعي: وطريقة التخريج جزم بها أكثر العراقيين، وطريقة القطع بالصحة ذكرها المراوزة، وما صححه النووي ممنوع، ولم أر من قطع بإلغاء الاقرار، وما عزاه للمحرر بناء على ما فهمه من قول المحرر وإن أسنده إلى جهة لا تمكن فهو لغو من أنه أراد، فالاقرار لغو وليس مرادا، بل مراده: فالاسناد لغو، بقرينة كلام الشرحين، وذكر مثله صاحب الأنوار والزركشي، وهو كما قال شيخنا حسن، ومشيت عليه في شرح التنبيه. (وإن أطلق) الاقرار، أي لم يسنده إلى شئ، (صح في الأظهر)
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429