زيد فولاؤه له لأن الولاء لمن أعتق. وهل أكسابه الحاصلة بعد عتقه لعمرو لاقراره بأنه كان له أولا لأن استحقاق الاكساب فرع الرق ولم يثبت؟ وجهان: أرجحهما كما قال الزركشي الثاني، فتكون الاكساب مستحقة للعتيق. ولو أقر أن عمرا غصب عبدا من زيد ثم اشتراه من عمرو صح الشراء استنقاذا لملك الغير كما يستنقذ الحر، وأخذه زيد، ولا يثبت للمشتري الخياران كما قاله الإمام لأنهما إنما يثبتان لمن يطلب الشراء ملكا لنفسه أو مستنيبه. ولو أقر بحرية أمة لغيره فاستأجرها لزمته الأجرة أو نكحها لزمه المهر، وليس له في الأولى استخدامها بغير رضاها ولا وطؤها في الثانية إلا إذا كان نكحها بإذنها وسيدها عنده ولي بالولاء، كأن قال: أنت أعتقتها أو بغيره كأن كان أخاها، قال الماوردي: وسواء أحلت له الأمة أم لا لاعترافه بحريتها، وقال السبكي وغيره: وينبغي أن لا يصح إلا أن يكون ممن تحل له الأمة لأن أولادها يسترقون كأمهم اه. وهذا هو الظاهر، ويؤيده ما أفتى به شيخي فيمن أوصى بأولاد أمته لآخر ثم مات وأعتقها الوارث فلا بد في تزويجها من الشروط المذكورة في تزويج الأمة، نعم المسموح له أن يتزوج بها. ثم شرع في بيان الاقرار بالمجهول، فقال: (ويصح الاقرار بالمجهول) سواء أكان ابتداء أم جواب عن دعوى، لأن الاقرار إخبار عن حق سابق والشئ يخبر عنه مفصلا تارة ومجملا أخرى، إما للجهل به أو لثبوته مجهولا بوصية ونحوها أو لغير ذلك، ويخالف الانشاءات حيث لا تحتمل الجهالة احتياطا لابتداء الثبوت وتحرزا عن الغرر. قال السبكي: والمبهم كأحد العبدين في معنى المجهول. (فإذا قال له علي شئ قبل تفسيره بكل ما يتمول) وهو كما قال الإمام ما يسد مسدا أو يقع موقعا من جلب نفع أو دفع ضرر، وإن نظر فيه الأذرعي. (وإن قل) كفلس لصدق اسم الشئ عليه، فلو امتنع من التفسير أو فسره ولكن نوزع فيه فقد ذكره المصنف في أثناء الفصل الذي بعد هذا. (ولو فسره بما لا يتمول) أي لا يتخذ مالا (لكنه من جنسه كحبة حنطة) أو قمع باذنجانة أو قشرة فستقة أو جوزة، (أو) فسره (بما) لا يتمول لكنه ليس من جنسه، و (يحل اقتناؤه ككلب معلم) لصيد أو قابل لتعليمه (وسرجين) وهو الزبل، وكذا بكل نجس يقتنى كجلد ميتة يطهر بالدباغ وخمر محترمة، (قبل في الأصح لصدق كل منهما بالشئ مع كونه محترما يحرم أخذه ويجب رده، والأصل براءة ذمته من غيره. والثاني:
لا يقبل فيهما، لأن الأول لا قيمة له فلا يصح التزامه بكلمة علي والثاني ليس بمال، وظاهر الاقرار المال.
تنبيه: لو قال بدل معلم مقتنى لدخل ما زدته وكلب الماشية ونحوه، لكنه يفهم من قوله بعد أن لا يقبل في كلب لا نفع فيه، ولو فسره بحق شفعة أو حد قذف أو رد وديعة قبل لما مر. (ولا يقبل) تفسيره (بما لا يقتنى) أي بشئ لا يحل اقتناؤه، (كخنزير وكلب لا نفع فيه) من صيد ونحوه وجلد لا يطهر بالدبغ وميتة لا يحل أكلها وخمر غير محترمة، إذ ليس فيها حق ولا اختصاص ولا يجب ردها فلا يصدق بها قوله علي. وقضية التعليل كما قال الأسنوي وغيره قبول تفسيره بالخمرة غير المحترمة إذا كان المقر له ذميا لأن على غاصبها ردها له إذا لم يتظاهر بها، ولو فسر بميتة لا يحل أكلها لمضطر قبل كما رجحه الإمام خلافا للقاضي. ولو قال بدل علي له عندي شئ أو غصبت منه شيئا صح تفسيره بما لا يقتنى، إذ ليس في لفظه ما يشعر بالتزام حق إذ الغصب لا يقتضى التزاما وثبوت مال، وإنما يقتضي الاخذ قهرا بخلاف قوله علي.
وربما يستشكل ذلك بأن الغصب هو الاستيلاء على مال الغير أو حق الغير فكيف يقبل تفسيره بما ليس بمال ولا حق.
(ولا) يقبل تفسيره أيضا (بعيادة) لمريض (و) لا (رد سلام) لبعد فهمهما في معرض الاقرار إذ لا مطالبة بهما، لكن إن قال: له علي حق قبل تفسيره بهما. فإن قيل: الحق أخص من الشئ فكيف يقبل في تفسير الأخص ما لا يقبل في تفسير الأعم؟ أجيب بأن الحق يطلق عرفا على ذلك بخلاف الشئ فيقال في العرب له علي حق ويراد به ذلك ، وفي الخبر: حق المسلم على المسلم خمس وذكر منها عيادة المريض ورد السلام، فاعتبار الاقرار بما لم يطالب في محله