بينهما كما يحال بين الصبي المميز إذا وصف الاسلام وبين أبيه، وسيأتي هل ذلك واجب أو مندوب. والطريق الثاني فيه قولان، ثانيهما يتبعه في الكفر كالنسب. (ويحكم) أيضا (بإسلام الصبي بجهتين أخريين) غير تبعية الدار، (لا تفرضان في اللقيط) وإنما ذكرا في بابه استطرادا. (إحداهما) وهي أقواهما (الولادة، فإذا كان أحد أبويه مسلما وقت العلوق فهو) أي الصبي، أي الصغير الشامل للأنثى والخنثى، (مسلم) بإجماع وتغليبا للاسلام، ولا يضر ما يطرأ بعد العلوق منهما من درجة.
(فإن بلغ) الصغير المسلم بالتبعية لاحد أبويه (ووصف كفرا) بأن أعرب به عن نفسه كما في المحرر، (فمرتد) لأنه مسلم ظاهرا وباطنا. (ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما) قبل بلوغه، (حكم بإسلامه) حالا، سواء أسلم أحدهما قبل وضعه أم بعده، قبل تمييزه أم بعده وقبل بلوغه، لقوله تعالى: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) *.
تنبيه: قول المصنف: ثم أسلم أحدهما بوهم قصره على الأبوين، وليس مرادا بل في معنى الأبوين الأجداد والجدات وإن لم يكونوا وارثين وكان الأقرب حيا. فإن قيل: إطلاق ذلك يقتضي إسلام جميع الأطفال بإسلام أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام. أجيب بأن الكلام في جد يعرف النسب إليه بحيث يحصل بينهما التوارث، وبأن التبعية في اليهودية والنصرانية حكم جديد وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه. والمجنون المحكوم عليه بكفره كالصغير في تبعية أحد أصوله في الاسلام إن بلغ مجنونا، وكذا إن بلغ عاقلا ثم جن في الأصح. وتقدم عن ابن حزم الظاهري أن المسلم إذا زنى بكافرة يكون الولد مسلما يرده قولهم: أسلم أحد أبويه، وهذا ليس كذلك. ويدخل في قول المصنف بين كافرين الأصليان والمرتدان على ترجيحه من أن ولد المرتدين مرتد كما سيأتي في كتاب الردة، أما على ترجيح الرافعي من أنه مسلم فلا يدخل ذلك. (فإن بلغ ووصف) بعد بلوغه (كفرا فمرتد) في الأظهر لسبق الحكم بإسلامه، فأشبه من أسلم بنفسه ثم ارتد. (وفي قول كافر أصلي) لأنه كان محكوما بكفره وأزيل ذلك الحكم بالتبعية، فإذا استقل انقطعت فيعتبر بنفسه.
تنبيه: محل الخلاف المذكور إذا لم يصدر منه بعد البلوغ وصف الاسلام، فإن وصفه ثم وصف الكفر فمرتد قطعا. وعلى القول الأول لا تنقض الأحكام الجارية عليه قبل الحكم بردته من إرث وغيره من الأحكام حتى لا يرد ما أخذه من تركة قريبه المسلم، ولا يأخذ من تركة قريبه الكافر ما حرمناه منه، ولا يحكم بأن إعتاقه عن الكفارة لم يقع مجزئا لأنه كان مسلما باطنا وظاهرا بخلاف ما إذا قلنا إنه كافر أصلي، فإن مات قبل البلوغ وقبل الافصاح بشئ لم ينقض ما حكم به من أحكام إسلامه في الصبا، بخلاف ما إذا قلنا إنه كافر أصلي لو أعرب بالكفر، وإن حكم بإسلامه تبعا للدار فبلغ وأفصح بالكفر فأصلي لا مرتد فيقر على كفره وينقض ما أمضيناه من أحكام الاسلام مما جرى في الصغر وبعد البلوغ وقبل الافصاح بشئ، وهذا معنى قولهم: تبعية الدار ضعيفة الجهة. (الثانية: إذا سبى مسلم طفلا) أو مجنونا (تبع السابي) له (في الاسلام) فيحكم بإسلامه ظاهرا وباطنا، (إن لم يكن معه أحد أبويه) لأن له عليه ولاية وليس معه من هو أقرب إليه منه فتبعه كالأب قال الإمام: وكأن السابي لما أبطل حريته قلبه قلبا كليا، فعدم عما كان وافتتح له وجود تحت يد السابي وولاية فأشبه تولده بين الأبوين المسلمين، وسواء أكان السابي بالغا عاقلا أم لا، أما إذا سبي مع أحد أبويه فإنه لا يتبع السابي جزما، ومع كون أحد أبوي الطفل معه أن يكونا في جيش واحد وغنيمة واحدة لا أن مالكهما واحد بل يتبع أحد أبويه في دينه وإن اختلف سابيهما، لأن تبعة الأصل أقوى من تبعية السابي فكان أولى بالاستتباع. ولا