عبدي فله عشرة ثم يقول: فله خمسة أو عكسه، أو يقول: من رده فله دينار ثم يقول: فله درهم. وإن سمع العامل ذلك قبل الشروع في العمل اعتبر النداء الأخير وللعامل ما ذكر فيه وإن لم يسمعه العامل، أو كان بعد الشروع فهو ما ذكره بقوله: (وفائدته بعد الشروع) في العمل أو قبله ولم يسمعه العامل، (وجوب أجرة المثل) لأن النداء الأخير فسخ للأول، والفسخ من المالك في أثناء العمل يقتضي الرجوع إلى أجرة المثل، فلو عمل من سمع النداء الأول خاصة، ومن سمع الثاني استحق الأول نصف أجرة المثل والثاني نصف المسمى الثاني. والمراد بالسماع العلم وأجرة المثل فيما ذكر لجميع العمل لا للماضي خاصة، ولا ينافيه ما مر من أنه لو عمل شيئا بعد الفسخ لا شئ له لأن ذلك فيما فسخ بلا بدل بخلاف هذا. (ولو) تلف المرود قبل وصوله، كأن (مات الآبق) بغير قتل المالك له (في بعض الطريق) ولو بقرب دار سيده، (أو) غصب أو تركه العامل أو (هرب) ولو في دار المالك قبل تسليمه له، (فلا شئ للعامل) وإن حضر الآبق لأنه لم يرده، بخلاف ما لو اكترى من يحج عنه فأتى ببعض الأعمال ومات حيث يستحق من الأجرة بقدر ما عمل. وفرقوا بينهما بأن المقصود من الحج الثواب، وقد حصل ببعض العمل، وهنا لم يحصل شئ من المقصود، وبأن الإجارة لازمة تجب الأجرة فيها بالعقد شيئا فشيئا، والجعالة جائزة لا يثبت فيها شئ إلا بالشرط ولم يوجد. ولو خاط نصف الثوب فاحترق أو تركه أو بنى بعض الحائط فانهدم أو تركه أو لم يتعلم الصبي لبلادته فلا شئ له كما لو طلب الآبق فلم يجده. هذا إذا لم يقع العمل مسلما، وإلا فله أجرة ما عمل بقسطه من المسمى، كما لو مات الصبي في أثناء التعليم لوقوعه مسلما بالتعليم مع ظهور أثر العمل على المحل، ومحله إذا كان حرا كما قيده به في الكفاية، فإن كان رقيقا لم يستحق إلا إذا سلمه السيد أو حصل التعليم بحضرته أو في ملكه. ولا يشكل هذا بما تقدم في الفسخ من أنه لا يستحق مطلقا، لأن التقصير بالفسخ جاء من جهته مع تمكنه من تمام العمل بخلاف ما هنا. ولو منع الصبي أبوه من تمام التعلم أو المالك من تمام العمل وجب له أجرة المثل لما عمله، لأن المنع فسخ أو كالفسخ. أما إذا قتله المال فيستحق العامل القسط كما لو فسخ المالك. ولو أعتق المالك رقيقه قبل رده، قال ابن الرفعة: يظهر أن يقال لا أجرة للعامل إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم لحصول الرجوع ضمنا، أي فلا أجرة لعمله بعد العتق، تنزيلا لاعتاقه منزلة فسخه. (وإذا رده) أي الآبق العامل على سيده، (فليس له حبسه لقبض الجعل) لأن الاستحقاق بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق، وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك. (ويصدق المالك) بيمينه (إذا أنكر شرط الجعل) للعامل بأن اختلفا فيه فقال العامل (شرطت لي جعلا) وأنكر المالك، (أو) أنكر (سعيه) أي العامل (في رده) أي الآبق بأن قال: لم ترده وإنما رجع بنفسه، لأن الأصل عدم الشرط والرد. ولو اختلف المالك والعامل في بلوغه النداء، فالقول قول الراد بيمينه كما لو اختلفا في سماع ندائه. (فإن اختلفا) أي الملتزم والعامل (في قدر الجعل) بعد فراغ العمل أو بعد الشروع وقلنا للعامل قسط عمله، (تحالفا) وفسخ العقد ووجب للعامل أجرة المثل كما لو اختلفا في الإجارة، أما قبل الشروع فلا استحقاق له فلا تخالف، ومثله الاختلاف في قدر العمل كقوله: شرطت له مائة على رد عبدين فقال: بل على عبد.
خاتمة: يد العامل على ما يقع في يده إلى أن يرده يد أمانة، فإن خلاه بتفريط ضمن لتقصيره، وإن أنفق عليه مدة الرجوع فمتبرع إلا أن يأذن له الحاكم أو يشهد عند فقده ليرجع. ومن وجد مريضا عاجزا عن السير بنحو بادية لزمه المقام معه إلا إن خاف على نفسه أو نحوها، وإذا أقام معه فلا أجر له. ولو مات المريض لزمه إن كان أمينا حمل ماله إلى ورثته وإلا فلا يلزمه وإن جاز له، وإلا يضمنه في الحالين لو تركه. وحكم المغشي عليه حكم المريض كما أفاده كلام الروضة لا حكم الميت كما قاله ابن المقري. ولو سرق الآبق قطع كغيره ويحفظه الحاكم إذا وجده انتظارا لسيده، فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه، فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن، والله سبحانه وتعالى أعلم.