يؤثر موت الأصل بعد، لأن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي. (ولو سباه ذمي) وحمله كما قال البغوي إلى دار الاسلام، أو مستأمن كما قاله الدارمي، (لم يحكم بإسلامه في الأصح) لأن كونه من أهل دار الاسلام لم يؤثر فيه ولا في أولاده فكيف يؤثر في مسبيه ولان تبعية الدار إنما تؤثر في حق من لا يعرف حاله ولا نسبه، نعم هو على دين سابيه كما ذكره الماوردي وغيره. والثاني: يحكم بإسلامه تبعا للدار.
تنبيه: استشكل حكاية المصنف الخلاف بأن الذمي إذا انفرد بأخذه بأن سرقه وقلما يختص به ولا يخمس فينبغي القطع بالأصح، وإن قلنا إنه غنيمة للمسلمين وهو المذهب ويد الذمي نائبة عنهم، فينبغي القطع بإسلامه، وجوز ابن الرفعة جريان الخلاف في هذه الحالة لتعارض يده وحقهم. ولو سباه مسلم وذمي حكم بإسلامه تغليبا لحكم الاسلام، ذكره القاضي وغيره. ولو سبى الذمي الصبي أو المجنون وباعه لمسلم، أو باعه المسلم الذي سباه مع أحد أبويه في جيش واحد ولو دون أبويه من مسلم، لم يتبع المشتري لفوات وقت التبعية، لأنها إنما تثبت ابتداء. ولو بلغ المحكوم بإسلامه تبعا للسابي ووصف كفرا كان كالمحكوم بإسلامه تبعا لاحد أصوله. ولو جنى اللقيط بإسلامه خطأ أو شبه عمد فموجبها في بيت المال إذ ليس له عاقلة خاصة، أو عمدا وهو بالغ عاقل اقتص منه وإلا فالدية مغلظة في ماله كضمان ماله أتلفه، فإن لم يكن مال ففي ذمته. وإن قتل خطأ أو شبه عمد ففيه دية كاملة عملا بظاهر الحرية توضع في بيت المال، وأرش طرقه له. وإن قتل عمدا فللإمام أن يعفو على مال لا مجانا لأنه خلاف مصلحة المسلمين، أو يقتص لا بعد البلوغ وقبل الافصاح بالاسلام، بل تجب ديته كما صححه المصنف وصوبه في المهمات، ويقتص لنفسه في الطرف إن أفصح بالاسلام بعد بلوغه فيحبس قاطعه قبل البلوغ له إلى البلوغ والإفاقة، ويأخذ الولي ولو حاكما لا وصي الأرش لمجنون فقير لا لغني ولا لصبي غني أو فقير، فلو أفاق المجنون وأراد رد الأرش ليقتص منه منع. ولما فرغ المصنف من إسلام التبعية شرع في إسلام المباشر فقال: (ولا يصح إسلام صبي مميز استقلالا على الصحيح) المنصوص في القديم والجديد كما قاله الإمام، لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز والمجنون وهما لا يصح إسلامهما اتفاقا كما سيأتي، ولان نطقه بالشهادتين إما خبر وإما إنشاء، فإن كان خبرا فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة. والثاني: يصح إسلامه حتى يرث من قريبه المسلم، لأنه (ص) دعا عليا رضي الله تعالى عنه إلى الاسلام قبل بلوغه فأجابه، ولأنه لا يلزم من كونه غير مكلف به أنه لا يصح منه كالصلاة والصوم وسائر العبادات، قال المرعشي: وهو الذي أعرفه في مذهب الشافعي. وأجاب الأول عن قصة علي رضي الله تعالى عنه بأنه كان بالغا عند إسلامه كما نقله القاضي أبو الطيب عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه، فعلى تقدير ثبوته فلا كلام، وعلى عدم تقديره فقد ذكر البيهقي في المعرفة أن الأحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة، قال السبكي: وهو صحيح لأن الأحكام إنما أنيطت بخمسة عشر عام الخندق، فقد تكون منوطة قبل ذلك بسن التمييز: والقياس على الصلاة ونحوها لا يصح لأن الاسلام لا ينتفل به، وعلى هذا يحال بينه وبين أبويه الكافرين لئلا يفتنوه، وهذه الحيلولة مستحبة على الصحيح في الشرح والروضة هنا فيتلطف بوالديه ليؤخذ منهما، فإن أبيا فلا حيلولة، وقيل: إنها واجبة، واختاره السبكي، احتياطا للاسلام. ولا تمنعه من الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات كما قاله الزركشي أخذا من كلام الشافعي. ويدخل بإسلامه الجنة إذا أسره كما أظهره، ويعبر عنه بصحة إسلامه باطنا لا ظاهرا، أي بالنسبة إلى الآخرة دون الدنيا. فإن بلغ ثم وصف الكفر هدد وطولب بالاسلام، فإن أصر رد إليهما.
واحترز المصنف بالمميز عن غيره من صبي ومجنون فلا يصح إسلامهما قطعا وأنه يصح إسلام المكلف بالنطق للناطق والإشارة للعاجز عن النطق قطعا، وكالمكلف المتعدي بسكر. وفي أطفال الكفار إذا ماتوا ولم يتلفظوا بالاسلام خلاف منتشر، والأصح أنهم يدخلون الجنة، لأن كل مولود يولد على الفطرة، فحكمهم حكم الكفار في الدنيا، فلا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، وحكمهم حكم المسلمين في الآخرة لما مر.