مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٤١٨
الخير) *. وأركان اللقيط الشرعي ثلاثة، التقاط، ولقيط، وملتقط. وقد بدأ بالركن الأول فقال: (التقاط) أي أخذ (المنبوذ) بالمعجمة، (فرض كفاية) لقوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * إذ بإحيائها يسقط الحرج عن الناس فإحياؤهم بالنجاة من العذاب، ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره، بل أولى لأن البالغ العاقل ربما احتال لنفسه. وفارق اللقطة حيث لا يجب التقاطها بأن المغلب عليها الاكتساب والنفس تميل إليه فاستغنى بذلك عن الوجوب كالنكاح والوطئ فيه. فلو لم يعلم بالمنبوذ إلا واحد لزمه أخذه، فلو لم يلتقطه حتى علم به غيره فهل يجب عليهما كما لو علما معا أو على الأول فقط؟ أبدى ابن الرفعة فيه احتمالين، قال السبكي: والذي يجب القطع به أنه يجب عليهما. (ويجب الاشهاد عليه) أي التقاطه (في الأصح) وإن كان ظاهر العدالة خوفا من أن يسترقه. والثاني:
لا يجب اعتمادا على الأمانة كاللقطة. وأجاب الأول بأن الغرض منها المال، والاشهاد في التصرف المالي مستحب ومن اللقيط حريته ونسبه فوجب الاشهاد كما في النكاح، وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف، ولا تعريف في اللقيط، ويجب الاشهاد أيضا على ما معه تبعا له ولئلا يتملكه. وقيد الماوردي وجوب الاشهاد عليه وعلى ما معه بالملتقط بنفسه.
أما من سلمه الحاكم له فالاشهاد مستحب له فقط، قال شيخنا: وهو ظاهر. وأما الركن الثاني وهو اللقيط، فهو صغير منبوذ في شارع أو مسجد أو نحو ذلك لا كافل له معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد. وإن أفهم التعبير بالمنبوذ اختصاصه بغير المميز، فإن المنبوذ وهو الذي ينبذ دون التمييز، ونبذه في الغالب إما لكونه من فاحشة خوفا من العار، أو للعجز عن مؤنته، فإن فقد النبذ رد إلى القاضي لقيامه مقام كافله فيسلمه إلى من يقوم به، كما يقوم بحفظ مال الغائبين، أو وجد له كافل ولو ملتقطا رد إليه. وخرج بالصبي البالغ لاستغنائه عن الحفظ. نعم المجنون كالصبي، وإنما ذكروا الصبي لأنه الغالب، قاله السبكي وغيره. ثم شرع في الركن الثالث وهو الملتقط فقال: (وإنما تثبت ولاية الالتقاط) أي حضانة اللقيط (لمكلف حر) ذكر أو أنثى، ولكن الإناث أليق بها. غني أو فقير، (مسلم) إن كان اللقيط محكوما بإسلامه، (عدل) لأنها ولاية على الغير فاعتبر فيها الأوصاف المذكورة كولاية القضاء، فإن كان محكوما بكفره بالدار فللكافر التقاطه، لأنه من أهل الولاية عليه.
تنبيه: مقتضى كلامهم جواز التقاط اليهودي للنصراني وعكسه، وهو كذلك كالإرث، وإن قال ابن الرفعة لم أره منقولا. وقوله: (رشيد) مستغنى عنه بعدل كما يستغنى عن مكلف بعدل، ومراده العدالة الباطنة والظاهرة ليدخل المستور كما يؤخذ من قوله الآتي. ويقدم عدل على مستور، ولا تفتقر ولاية الالتقاط إلى إذن الحاكم، لكن يستحب دفعه إليه. نعم لو وجده فأعطاه غيره لم يجز حتى يدفعه إلى الحاكم كما قاله الدارمي. ثم شرع في ذكر محترزات ما تقدم فذكر محترز حر في قوله: (ولو التقط) رقيق (عبد) أو أمة مدبر أو معلق عتقه بصفة، أو أم ولد أو مكاتب (بغير إذن سيده انتزع) اللقيط (منه) لأن الحضانة تبرع وليس هو من أهلها، (فإن علمه) أي السيد (فأقره عنده، أي التقط بإذنه فالسيد) هو (الملتقط) وهو نائبه في الاخذ والتربية إذ يده كيده، ولا بد أن يكون أهلا للترك في يده.
قال الماوردي: وهذا قبل الرفع إلى الحاكم، أما بعده فيدفعه إلى من يراه إذ لا حق للسيد فيه اه‍. وفي الحالة الثانية نظر إذ السيد هو الملتقط. ولو قال السيد للمكاتب التقط لي فالسيد هو الملتقط، وهو المبعض إذا التقط في نوبته وجهان، أصحهما عدم الصحة كما قاله الروياني، لأن الحضانة ولاية، ولا ولاية للمبعض بخلاف اللقطة، فإن لم يكن بينه وبين السيد مهايأة أو التقط في نوبة السيد فالتقاطه كالقن كما صرح به الماوردي وذكر محترز مكلف عدل رشيد في قوله: (ولو التقط صبي) أو مجنون (أو فاسق أو محجور عليه) بسفه (أو كافر مسلما انتزع منه) لعدم أهلية الصبي والمجنون وتهمة الفاسق
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429