ليس تصرفا ولا سكنى. وقضية هذا التعليل أنه إذا كان يسكن عادة يكون كالدار. ولا يحكم له بضيعة وجد فيها كما قال في الروضة: ينبغي القطع بأنه لا يحكم له بها.
تنبيه: المراد بكون ما ذكر له صلاحية التصرف فيه ودفع المنازع له لا أنه طريق للحكم بصحة ملكه ابتداء، فلا يسوغ للحاكم بمجرد ذلك أن يقول ثبت عندي أنه ملكه، نبه على ذلك الزركشي. (وليس له) أي اللقيط (مال مدفون) ولو كان (تحته) وفيه رقعة مكتوب فيها أن الدفين له، لأن الكبير العاقل لو كان جالسا على أرض تحتها دفين لم يحكم له به، وحكم هذا المال إن كان من دفين الجاهلية فركاز وإلا فلقطة. نعم إن حكم بأن المكان له فهو له مع المكان كما صرح به الدارمي وغيره. قال الأذرعي: ولو وجد خيط متصل بالدفين مربوط ببعض بدنه أو ثيابه وجب الجزم بأنه يقضى له به، ولا شك فيه إذا انضمت الرقعة إليه. (وكذا ثياب وأمتعة) ودابة (موضوعة بقربه) ليست له (في الأصح) لأن يده لا تثبت إلا على ما اتصل به، بخلاف الموجود بقرب المكلف فإنه يحكم بملكه له، لأن له رعاية. والثاني: أنها له عملا بالظاهر.
وعلى الأول لو حكم بأن المكان له كان ذلك له مع المكان كما يؤخذ مما مر، وصرح به المصنف في نكته. وخرج بقربه البعيدة عنه فلا تكون له جزما.
تنبيه: لم يتعرضوا لضبط القرب، قال السبكي: والمحال عليه فيه العرف. (فإن لم يعرف له) أي اللقيط (مال) عام ولا خاص (فالأظهر أنه ينفق عليه من بيت المال) من سهم المصالح بلا رجوع كما صرح به في الروضة، لأن عمر رضي الله تعالى عنه استشار الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، فأجمعوا على أنها في بيت المال، وقياسا على البالغ المعسر بل أولى. والثاني:
المنع، بل يقترض عليه من بيت المال أو غيره لجواز أن يظهر له مال. (فإن لم يكن) في بيت المال شئ أو كان وثم ما هو أهم من ذلك كسد ثغر يعظم ضرره لو ترك أو حالت الظلمة دونه اقترض له الإمام من المسلمين في ذمة اللقيط كالمضطر إلى الطعام، فإن تعذر الاقتراض (قام المسلمون بكفايته قرضا) بالقاف بخطه، حتى يثبت لهم الرجوع بما أنفقوا على اللقيط ويقسطها الإمام على الأغنياء منهم ويجعل نفسه منهم، فإن تعذر استيعابهم لكثرتهم قسطها على من رآه منهم باجتهاده، فإن استووا في اجتهاده تخير، فإن ظهر له سيد رجعوا عليه، أو ظهر له إذا كان حرا مال أو اكتسبه فالرجوع عليه، أو قريب رجع عليه. فإن قيل: نفقة القريب تسقط بمضي الزمان فكيف يطالب بها قريبه؟ أجيب بأن النفقة وقعت قرضا بإذن الحاكم والحاكم إذا اقترض النفقة على من تلزمه ثبت الرجوع بها، ولا تسقط بمضي الزمان كما صرح به المصنف وغيره في بابها، فإن لم يظهر له مال ولا قريب ولا كسب ولا للرقيق سيد فالرجوع على بيت المال من سهم الفقراء أو الغارمين بحسب ما يراه الإمام. وإن حصل في بيت المال شئ قبل بلوغه ويساره قضي منه، وإن حصل له مال مع بيت المال معا فمن ماله، وسواء فيما ذكر اللقيط المحكوم بإسلامه أم بكفره على الأصح، وإن صحح في الكفاية خلافه تبعا للماوردي.
(وفي قول) يقوم المسلمون بكفايته (نفقة) لأنه محتاج عاجز، وإن قام بها بعضهم اندفع الحرج عن الباقين.
تنبيه: قوله: قرضا ونفقة منصوبان بنزع الخافض، أي بالقرض والنفقة، أو على التمييز، أي من جهة القرض والنفقة. (وللملتقط الاستقلال بحفظ ماله) أي اللقيط، (في الأصح) لأنه مستقل بحفظ المالك فماله أولى، ومحله كما قال الأذرعي في العدل الذي يجوز إيداع مال اليتيم عنده. والثاني: يحتاج إلى إذن القاضي. وعلى الأول ليس له مخاصمة من نازعه فيه إلا بولاية من الحاكم. (ولا ينفق عليه منه) أي من مال اللقيط، (إلا بإذن القاضي) لأن ولاية المال لا تثبت لقريب غير الأب والجد فالأجنبي أولى، فإن أنفق بغير إذنه ضمن. وقوله: (قطعا) تبع فيه الإمام، وليس في الروضة وأصلها بل فيهما وجه حكاه ابن كج أنه إن أنفق بغير إذنه لم يضمن، ومقتضاه أن إذن القاضي ليس شرطا، وقد حكى