هي الثانية (1).
نعم وبعد هذه المناظرة العظيمة وببركة هذا الخريت العلامة استبصر السلطان وعدد كبير من الأمراء وعلماء العامة، فعمت البركة في جميع الممالك وهدأت
(١) قصص العلماء: ٣٥٩ و ٣٦٠.
وحدث مثل هذه الواقعة قبلها أمام السلطان محمود بن سبكتكين، نقل القاضي ابن خلكان عن عبد الملك الجويني إمام الشافعية المتوفى سنة ٤٧٨ في كتابه الذي سماه مغيب الحق في اختيار الأحق، أن السلطان محمود كان على مذهب أبي حنيفة، وكان مولعا بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع، وكان يستفسر الأحاديث.
فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي، فوقع في جلده حكة، فجمع الفقهاء من الفريقين من مرو، والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر، فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الإمام الشافعي وعلى مذهب أبي حنيفة.
لينظر السلطان ويتفكر ويختار ما هو أحسنهما، فصلى القفال المروزي - أحد علماء الشافعية - بطهارة مسيغة وشرائط معتبرة من الطهارة والستر واستقبال القبلة، وأتى بالأركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض على وجه الكمال والتمام، وقال: هذه صلاة لا يجوزالإمام الشافعي دونها ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة، فلبس جلد الكلب مدبوغا، ولطخ ربعه بالنجاسة وتوضأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف في المفازة، فاجتمع عليه الذباب والبعوض، وكان وضوؤه منكسا منعكسا، ثم استقبل القبلة وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء، وكبر بالفارسية [ثم قرأ آية بالفارسية]: دو برك سبز - أي: ورقتان خضراوتان، وهو معنى قوله تعالى في سورة الرحمن: " مدهامتان " - ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع، وتشهد، وضرط في آخره من غير السلام، وقال: أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة، فقال السلطان: لو لم تكن هذه الصلاةصلاة أبي حنيفة لقتلتك، لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دين، وأنكر الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة، فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة، وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين جميعا، فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفال، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة وتمسك بمذهب الشافعي. وفيات الأعيان 5 / 180 و 181.
أقول: الخرافات القبيحة الموجودة في مذهب الشافعي ومذهب أخويه لا تقل عن مذهب أبي حنيفة، ولو أردنا ذكر بعضها لخرجنا عن صلب البحث، فنرجأها إلى موضع آخر.