الواضح لدى العقلاء أن صيانة قلم المؤرخ وطهارة لسانه وعفة بيانه من البذاءة والفحش من الشرائط المهمة في قبول نقله والاعتماد عليه والركون إليه - ومن العجب أن بعض المتأخرين من الخاصة تبع تعبير القوم عن هذا الملك الجليل ولم يتأمل أنه لقب تنابزوا به - وما ذلك إلا لبغض آل الرسول الداء الدفين في قلوبهم وتلك الأحقاد البدرية والحنينية، وإلا فما ذنب هذا الملك بعد اعترافهم بجلالته وعدالته وشهامته ورقه قلبه وحسن سياسته وتدبيره (1).
واختيار هذا الملك مذهب التشيع لم يكن عن ميل النفس والهوى، أو احتياج لبقاء سلطنته. وإنما كان بعد مناظرات علامتنا أبي منصور مع علماء الفرق كافة، فأوقعهم في مضيق الإلزام والافحام، وأثبت عليهم حقية مذهب أهل البيت الكرام، حتى قال الخواجة نظام الدين عبد الملك المراغي - الذي هو أفضل علماء الشافعية.
بل أفضل وأكمل علماء أهل السنة - بعد ما سمع أدلة العلامة على حقية مذهب أهل البيت، قال: أدلة حضرة هذا الشيخ في غاية الظهور، إلا أن السلف منا سلكوا طريقا، والخلف لإلجام العوام ودفع شق عصا أهل الإسلام سكتوا عن زلل أقدامهم، فبالحري أن لا تهتك أسرارهم ولا يتظاهر في اللعن عليهم (2).
وكان هذا السلطان كما قال الحافظ الابرو الشافعي المعاصر له: صاحب ذوق سليم يحب العلم والعلماء بالأخص السادات، وذكر بعد هذا أن ممالك إيران عمرت في زمانه، واتفقت القبائل فيما بينها وأطاعت له الأمراء، حتى أجمعت العرب والعجم على إطاعته، وأسس هذا السلطان في جميع البلاد المدارس والمساجد (3).
وقال العلامة المترجم في حقه في ديباجة كتابه استقصاء النظر: وقد منحه الله بالقوة القدسية، وخصه بالكمالات النفسية والقريحة الوقادة، والفكرة الصحيحة