أعلم هؤلاء الجماعة: فقال له: كلهم فاضلون علماء، إن كان واحد منهم مبرزا في فن كان الآخر مبرزا في فن آخر، فقال: من أعلمهم بالأصولين؟ فأشار إلى والدي سديد الدين يوسف بن المطهر وإلى الفقيه مفيد الدين محمد بن جهيم، فقال: هذان أعلم الجماعة بعلم الكلام وأصول الفقه (1).
وبفضل هذا الشيخ المعظم وتدبيره نجا أهل الكوفة والحلة والمشهدين الشريفين من القتل والنهب والسبي، وذلك حين غزا التتار العراق وعملوا ما عملوا.
قال ولده أبو منصور في كشف اليقين: لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلة إلى البطائح إلى القليل، فكان من جملة القليل والدي رحمه الله والسيد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العز، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت إيالته، وأنفذوا به شخصا أعجميا. فأنفذ السلطان إليهم فرمانا مع شخصين أحدهما يقال له فلكة والآخر يقال له علاء الدين، وقال لهما: قولا لهم: إن كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم تحضرون إلينا، فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي إلى الحال، فقال والدي رحمه الله:
إن جئت وحدي كفى؟ فقالا: نعم، فاصعد معهما، فلما حضر بين يديه - وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة - قال له: كيف قدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا بما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون أن يصالحني ورحلت عنه؟
فقال والدي رحمه الله: إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال في خطبة: الزوراء وما أدراك ما الزوراء، أرض ذات أثل، يشيد فيها البنيان وتكثر فيها السكان، ويكون فيها محاذم وخزان، يتخذها ولد العباس موطنا، ولزخرفهم مسكنا، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائز والخوف المخيف، والأئمة الفجرة والأمراء