سبيلا فازت وسعدت في الدارين، وإن رامت عنه حولا خسرت الدارين.
لكن ما هو الغرض من هذا العلم وما هي الحاجة إليه؟
قال العلامة المصنف: إن الله تعالى إنما فعل الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية، لا لمجرد العبث والاتفاق - كما قاله بعض من لا تحصيل له - ولا شك أن أشرف الأجسام السفلية هي نوع الإنسان. فالغرض لازم في خلقه، ولا يمكن أن يكون الغرض منه حصول ضرر له، فإن ذلك إنما يقع من المحتاج أو الجاهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلا بد وأن يكون هو النفع، ولا يجوز عوده إليه تعالى لاستغنائه، فلا بد وأن يكون عائدا إلى العبد. ثم لما بحثنا عن المنافع الدنيوية وجدناها في الحقيقة غير منافع، بل هي دفع الألم، فإذا كان فيها شئ يستحق أن يطلب عليه اسم النفع فهو يسير جدا، ومثل هذا الغرض لا يمكن أن يكون غاية في حصول هذا المخلوق الشريف، خصوصا مع انقطاعه وشوبه بالآلام المتضاعفة. فلا بد وأن يكون الغرض شيئا آخر مما يتعلق بالمنافع الأخروية، ولما كان ذلك النفع من أعظم المطالب وأنفس المقاصد لم يكن مبذولا لكل أحد، بل إنما يحصل بالاستحقاق، وذلك لا يكون إلا بالعمل في هذه الدار، المسبوق بتحصيل كيفية العمل، المشتمل عليه هذا العلم، فكان ذلك من أعظم المنافع في هذا العلم والحاجة إليه ما يسر جدا لتحصيل هذا النفع والمخلص من العقاب الدائم (1).
وهل تحصيل هذا العلم واجب أم لا؟
قال العلامة المصنف: إن تحصيل هذا العلم واجب، يدل عليه المعقول والمنقول: أما المعقول فهو: أن معرفة التكليف [واجبة]، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، ولا يتم إلا بتحصيل هذا العلم قطعا، وما لا يتم إلا به يكون واجبا، فيكون تحصيل هذا العلم واجبا، وأما المنقول فقوله تعالى: " فلولا نفر من كل فرقة