(6) قال ابن بطوطة: كان ملك العراق السلطان محمد خدابند، قد صحبه في حال كفره فقيه من الروافض الإمامية يسمى جمال الدين ابن المطهر، فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت بإسلامه التتر، زاد في تعظيم هذا الفقيه، فزين له مذهب الروافض وفضله على غيره، وشرح له حال الصحابة والخلافة، وقرر لديه أن أبا بكر وعمر كانا وزيرين لرسول الله، وأن عليا ابن عمه وصهره فهو وارث الخلافة، ومثل له بما هو مألوف عنده من أن الملك الذي بيده إنما هو إرث عن أجداده وأقاربه، مع حدثان عهد السلطان بالكفر وعدم معرفته بقواعد الدين، فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض، وكتب بذلك إلى العراقين وفارس وآذربايجان وإصفهان وكرمان وخراسان وبعث الرسل إلى البلاد، فكان أول بلاد وصل إليها بغداد وشيراز وإصفهان، فأما أهل بغداد، فامتنع أهل باب الأزج منهم، وهم أهل السنة وأكثرهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وقالوا: لا سمع ولا طاعة، وأتوا المسجد الجامع في يوم الجمعة بالسلاح وبه رسول السلطان، فلما صعد الخطيب المنبر قاموا إليه وهم اثنا عشر ألفا في سلاحهم. وهم حماة بغداد والمشار إليهم فيها، فحلفوا له أنه إن غير الخطبة المعتادة، إن زاد فيها أو نقص، فإنهم قاتلوه وقاتلوا رسول الملك ومستسلمون بعد ذلك لما شاءه الله، وكان السلطان أمر بأن تسقط أسماء الخلفاء وسائر الصحابة من الخطبة، ولا يذكر إلا اسم علي ومن تبعة كعمار رضي الله عنه، فخاف الخطيب من القتل وخطب الخطبة المعتادة، وفعل أهل شيراز وإصفهان كفعل أهل بغداد. فرجعت الرسل إلى الملك، فأخبروه بما جرى في ذلك، فأمر أن يؤتى بقضاة المدن الثلاث، فكان أول من أتي منهم القاضي مجد الدين قاضي شيراز...
فلما وصل القاضي أمر أن يرمى به إلى الكلاب التي عنده - وهي كلاب ضخام في أعناقها السلاسل معدة لأكل بني آدم، فإذا أتي بمن تسلط عليه الكلاب جعل في رحبة كبيرة مطلقا غير مقيد، ثم بعثت تلك الكلاب عليه، فيفر أمامها ولا مفر له فتدركه فتمزقه وتأكل لحمه - فلما أرسلت الكلاب على القاضي مجد الدين ووصلت