قلنا: الفرق بيننا ظاهر لأنا إذا بنينا على مسألة ضمنا عهدة صحتها ونفي الشبهة عنها، ومخالفنا إذا بنى على مسألة مثل أن التسمية غير واجبة أو غير ذلك من المسائل لا يمكنه أن يصحح ما بنى عليه ولا أن يورد حجة قاطعة واضحة بيننا وبين من تعاطى ذلك، ونحن إذا بنينا على مسألة دللنا على صحتها بما لا يمكن دفعه بهذا على التفصيل يخرجه الاعتبار.
باب الذبح:
الذكاة حكم شرعي والمذكي إذا استقبل القبلة ووجه الذبيحة إليها أيضا وسمى الله تعالى يكون مذكيا بيقين، فقد صرحوا بأن من ذبح يجب أن يكون مستقبلا، ولا يناقضه قولهم: ينبغي أن يوجه الذبيحة إلى القبلة فمن لم يستقبل بها القبلة متعمدا لم يجز أكل ذبيحته، وإن فعله ناسيا لم يكن به بأس لأن هذا أيضا مما يجب أن يفعل على ما يمكن، وقوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين، لم يذكر الله في هذه الآية ذبحا ولكن الأمة أجمعت على أن المراد أنه مباح لكم أكل لحوم ما ذكر اسم الله على تذكيته.
ويجب استقبال القبلة عند الذبح مع إمكان ذلك على ما ذكرناه لأن من ذبح غير مستقبل القبلة عامدا قد أتلف الروح وحل الموت في الذبيحة، وحلول الموت يوجب أن يكون ميتة ويدخل تحت قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة، إذ لم تقم دلالة على حصول الذكاة المشروعة فيستحق هذا الاسم.
ولا يجوز أن يتولى الذباحة غير المسلمين لما ذكرناه من الأدلة، وقال ابن عباس: لا ينفع الاسم في الشرك ولا يضر النسيان في الملة، وهذا إشارة إلى أن ذبائح المشركين ومن ضارعهم وإن ذكروا اسم الله عليها لا يجوز أكلها، وأن تذكية أهل الحق العارفين بالله المعترفين بتوحيده وعدله لا بأس بها وإن ترك ذكر اسم الله عليها نسيانا.
ومعنى قوله تعالى: إن كنتم بآياته مؤمنين، لا تأكلوا إلا ما ذكر اسم الله عليه إن كنتم مؤمنين على ما ذكرنا، وليس المراد إن كنتم مؤمنين فكلوا مما ذكر اسم الله البتة لأن المؤمن لا يخرج من أن يكون مؤمنا وإن لم يأكل اللحم قط.
فبان أن المراد النهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه والأمر باعتقاد تحليل أكل ما ذكر اسم الله عليه حقيقة يدل على ذلك قوله: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وهذا كأنه