وهو لا يقول: ترونه بعيونكم لا بقلوبكم. ولما كان هذا الخبر يحتمل التأويل ولم يكن مفصحا، علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعن به الرؤية التي ادعيتموها وهذا اختلاط شديد لأن أكثر (ال) كلام في القرآن وأخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلسان عربي ومخاطبة لقوم فصحاء على أحوال تدل على مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وربما وكل علم المعنى إلى العقول أن يتأمل الكلام. ولا أعلم عبارة عن معنى فرض الطاعة أوكد من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم "؟ ثم قوله: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " لأنه كلام مرتب على إقرار المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني الطاعة وأنه أولى بهم من أنفسهم ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: " فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه " لأن معنى " فمن كنت مولاه " هو فمن كنت أولى به من نفسه لأنها عبارة عن ذلك بعينه، إذ كان لا يجوز في اللغة غير ذلك، ألا ترى أن قائلا لو قال لجماعة: أليس هذا المتاع بيننا نبيعه ونقتسم الربح والوضيعة فيه؟ فقالوا له: نعم. فقال: " فمن كنت شريكه فزيد شريكه " كان كلاما صحيحا والعلة في ذلك أن الشركة هي عبارة عن معنى قول القائل:
" هذا المتاع بيننا نقتسم الربح والوضيعة " فلذلك صح بعد قول القائل: " فمن كنت شريكه فزيد شريكه " وكذلك [هنا] صح بعد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ألست أولى بكم من أنفسكم [فمن كنت مولاه فعلي مولاه] لأن مولاه عبارة عن قوله: " ألست أولى بكم من أنفسكم " وإلا فمتى لم تكن اللفظة التي جاءت مع الفاء الأولى عبارة عن المعنى الأول لم يكن الكلام منتظما أبدا ولا مفهوما ولا صوابا بل يكون داخلا في الهذيان، ومن أضاف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفر بالله العظيم، وإذا كانت لفظة " فمن كنت مولاه " تدل على من كنت أولى به من نفسه على ما رأينا وقد جعلها بعينها لعلي (عليه السلام) فقد جعل أن يكون علي عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وذلك هو الطاعة لعلي عليه السلام كما بيناه بدءا.