الحاكمون في عصره نظرا إلى أن ازدهار العلم ونشاط العلماء في بيان الحقائق في كل عصر وزمان يرتبط ارتباطا وثيقا بعوامل شتى منها رؤي وسياسة الحكام ومن بيدهم زمام الأمور، فإن اختلاف الحكام من حيث التوجهات الروحية والعقائدية والأخلاقية يمثل عاملا مهما في ازدهار العلم والدين وانتشارهما أو في إضعافهما وإخمادهما.
ففي ظل الحكومات المستبدة والطاغوتية تتعطل الطاقات وتخمد جذوة العلم وتنكس رايات الحق، والعكس هو الصحيح في ظل الحكومات المؤمنة بمبادئ الحرية والعدالة.
وإذا ما سنحت الفرصة للفقهاء وعلماء الدين الذين ينشدون العدالة والحقيقة وتوفرت لهم الأجواء بعيدا عن القمع والاضطهاد فإن الحظ سيحالفهم كثيرا لنشر معالم الدين الحنيف والأخذ بيد الأمة نحو الحقيقة والتكامل وقيادة سفينتها لإنقاذها من ظلمات الأفكار الضالة وأمواج الحياة المتلاطمة وإيصالها إلى شاطئ السلامة والأمان.
ومن أجل بيان أهمية الدور الذي تؤديه مواقف الأجهزة الحاكمة في توفير الأجواء الملائمة لتطور العلم، وتنامي قدرة العلماء في استثمار ما يتأتى لهم من فرص في إظهار الحقائق وبيانها، فقد آثرنا الإشارة إلى الحكومات التي كانت سائدة في الأمصار الإسلامية أوائل القرن الرابع، ومن ثم نتكلم عن الدولة التي عاصرها الشيخ الصدوق رحمه الله وهي دولة " آل بويه " والسياسة التي اتبعها ملوك تلك الدولة إزاء الدين، وسيرتهم مع علمائه، وما شهدته فترة حكمهم من مناظرات