فقام أبو طالب فدخل مكة، فلما رأته قريش قدروا أنه قد جاء ليسلم إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوته، فاستقبلوه وعظموه فلما جلس قال لهم:
يا معشر قريش إن ابن أخي محمد لم أجرب عليه كذبا قط وإنه قد أخبرني أن ربه أوحى إليه أنه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الأرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من أسماء الله عز وجل فأخرجوا الصحيفة وفكوها فوجدوها كما قال، فآمن بعض وبقي بعض على كفره، ورجع النبي (عليه السلام) وبنو هاشم إلى مكة، هكذا الإمام عليه السلام إذا أذن الله له في الخروج خرج.
وشئ آخر وهو أن الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الإمام فلو أن قائلا قال: لم يمهل الله أعداءه ولا يبيدهم وهم يكفرون به ويشركون؟ لكان جوابنا له أن الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ولا يقال له: لم ولا كيف، وهكذا إظهار الإمام إلى الله الذي غيبه فمتى أراده أذن فيه فظهر.
فقال الملحد: لست أو من بإمام لا أراه ولا تلزمني حجته ما لم أره، فقلت له: يجب أن تقول: إنه لا تلزمك حجة الله تعالى ذكره لأنك لا تراه ولا تلزمك حجة الرسول عليه السلام لأنك لم تره.
فقال للأمير السعيد ركن الدولة - رضي الله عنه -: أيها الأمير راع ما يقول هذا الشيخ فإنه يقول: إن الإمام إنما غاب ولا يرى لأن الله عز وجل لا يرى، فقال له الأمير رحمه الله: لقد وضعت كلامه غير موضعه وتقولت عليه وهذا انقطاع منك وإقرار بالعجز " (1).