منهجه في المناظرة وقوة استدلاله لا شك في أن الشيخ الصدوق رحمه الله بما كان يتمتع به من قوة الحفظ، وإحاطة بآيات القرآن الكريم والروايات، وما كان عليه من علو درجة في الفقه ورواية الحديث والتأليف، وكفاءة في المحاورات والمناظرات، يأتي في عداد مشاهير علماء الإسلام بل هو أبرزهم.
إن الشهرة الواسعة التي نالها الشيخ الصدوق رحمه الله في الفقه ورواية الحديث جعلت من النادر أن يجري الحديث حوله كفاءته في الاستدلال وقوة احتجاجه وتفوقه في المناظرات، كما ندر التطرق إلى منهجه في الاستدلال واختيار طريقه وإفحام الخصم، وجاذبية محاوراته، مما حدا بالبعض - مع اعترافهم بدرجته الفقهية والروائية - إلى وصفه بمخالفة المنهج العقلي في الاستدلال، وكأنهم يرون أن أسلوب الاستدلال والمحاورة والاحتجاج هو ما يكون وفقا لمسلك ومصطلحات الفلاسفة، وإذا سلك شخص طريق الأوليات والفطريات والوجدانيات في استدلاله وأراد بيان مطالبه والتفوق على خصمه في الاحتجاجات خارج إطار المصطلحات الخاصة، فإنهم لا يرون ذلك أسلوبا للاستدلال العقلي.
لقد كان الشيخ الصدوق رحمه الله يقتدي بالأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام في استدلالاته ومحاوراته ومناظراته، وحيث إنه لم يجد منطقا واستدلالا أفضل مما جاء به القرآن والأحاديث فقد كان يعمد إلى اتباع أسلوبهما في الاستدلال والأدلاء بدلوه مستلهما من منطق المعصومين عليهم السلام ما استطاع إلى ذلك سبيلا (1).