" ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ثم قال: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " فدل ذلك على أن معنى " مولاه " هو أنه أولى بهم من أنفسهم لأن المشهور في اللغة والعرف أن الرجل إذا قال لرجل: إنك أولى بي من نفسي، فقد جعله مطاعا آمرا عليه، ولا يجوز أن يعصيه. وإنا لو أخذنا بيعة على رجل وأقر بأنا أولى به من نفسه لم يكن له أن يخالفنا في شئ مما نأمره به لأنه إن خالفنا بطل معنى إقراره بأنا أولى به من نفسه، ولأن العرب أيضا إذا أمر منهم إنسان إنسانا بشئ وأخذه بالعمل به وكان له أن يعصيه فعصاه قال له: يا هذا أنا أولى بنفسي منك، إن لي أن أفعل بها ما أريد، وليس ذلك لك مني، فإذا كان قول الإنسان: " أنا أولى بنفسي منك " يوجب له أن يفعل بنفسه ما يشاء إذا كان في الحقيقة أولى بنفسه من غيره، وجب لمن هو أولى بنفسه منه أن يفعل به ما يشاء ولا يكون له أن يخالفه ولا يعصيه إذا كان ذلك كذلك. ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " فأقروا له عليه السلام بذلك ثم قال متبعا لقوله الأول بلا فصل: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " فقد علم أن قوله: " مولاه " عبارة عن المعنى الذي أقروا له بأنه أولى بهم من أنفسهم، فإذا كان إنما عني بقوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " أي أولى به فقد جعل ذلك لعلي بن أبي طالب عليه السلام بقوله: " فعلي مولاه " لأنه لا يصلح أن يكون عني بقوله: " فعلي مولاه " قسما من الأقسام التي أحلنا أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عناها في نفسه، لأن الأقسام هي أن يكون مالك رق، أو معتقا، أو ابن عم، أو عاقبة، أو خلفا، أو قداما. فإذا لم يكن لهذه الوجوه فيه صلى الله عليه وآله وسلم معنى لم يكن لها في علي عليه السلام أيضا معنى، وبقي ملك الطاعة، فثبت أنه عناه، وإذا وجب ملك طاعة المسلمين لعلي عليه السلام فهو معنى الإمامة لأن الإمامة إنما هي مشتقة من الائتمام بالإنسان والائتمام هو الاتباع والاقتداء والعمل بعمله والقول بقوله، وأصل ذلك في اللغة سهم يكون مثالا يعمل عليه السهام، ويتبع بصنعه صنعها وبمقداره مقدارها.
(مقدمة لجنة التحقيق ١٥٢)