ولا كثيرا، ولما لم يكن ذلك وجب أنه عني كل منزلة كانت لهارون من موسى مما لم يخصه العقل ولا الاستثناء في نفس الخبر وإذا وجب ذلك فقد ثبتت الدلالة على أن عليا عليه السلام أفضل أصحاب رسول الله وأعلمهم وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوثقهم في نفسه، وأنه يجب له أن يخلفه على قومه إذا غاب عنهم غيبة سفر أو غيبة موت، لأن ذلك كله كان في شرط هارون ومنزلته من موسى.
فإن قال قائل: إن هارون مات قبل موسى ولم يكن إماما بعده فكيف قيس أمر علي عليه السلام على أمر هارون بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " هو مني بمنزلة هارون من موسى "؟
وعلي عليه السلام قد بقي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قيل له: نحن إنما قسنا أمر علي على أمر هارون بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " هو مني بمنزلة هارون من موسى " فلما كانت هذه المنزلة لعلي عليه السلام وبقي علي فوجب أن يخلف النبي في قومه بعد وفاته.
ومثال ذلك ما أنا ذاكره إن شاء الله: لو أن الخليفة قال لوزيره: " لزيد عليك في كل يوم يلقاك فيه دينار، ولعمرو عليك مثل ما شرطته لزيد " فقد وجب لعمرو مثل ما لزيد، فإذا جاء زيد إلى الوزير ثلاثة أيام فأخذ ثلاثة دنانير، ثم انقطع ولم يأته وأتى عمرو الوزير ثلاثة أيام فقبض ثلاثة دنانير فلعمرو أن يأتي يوما رابعا وخامسا وأبدا وسرمدا ما بقي عمرو وعلى هذا الوزير ما بقي عمرو أن يعطيه في كل يوم أتاه دينارا وإن كان زيد لم يقبض إلا ثلاثة أيام، وليس للوزير أن يقول لعمرو: لا أعطيك إلا مثل ما قبض زيد. لأنه كان في شرط زيد أنه كلما أتاك فأعطه دينارا ولو أتى زيد لقبض وفعل هذا الشرط لعمرو وقد أتى فواجب أن يقبض. فكذلك إذا كان في شرط هارون الوصي أن يخلف موسى عليه السلام على قومه ومثل ذلك لعلي فبقي علي عليه السلام على قومه، ومثل ذلك لعلي عليه السلام فواجب أن يخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قومه نظير ما مثلناه في زيد وعمرو، وهذا ما لا بد منه ما أعطى