وليس ارتدادهم في ذلك بأعجب من ارتداد بني إسرائيل حين أراد موسى عليه السلام أن يذهب إلى ميقات ربه، فاستخلف أخاه هارون، ووعد قومه بأن يعود بعد ثلاثين ليلة فأتمها الله بعشر فلم يصبر قومه إلى أن خرج فيهم السامري وصنع لهم عجلا، وقال: ﴿هذا إلهكم وإله موسى﴾ (١) واستضعفوا هارون خليفته وأطاعوا السامري في عبادة العجل، فرجع موسى إليهم وقال: ﴿بئسما خلفتموني﴾ (2).
وإذا جاز على بني إسرائيل وهم أمة نبي من أولي العزم أن يرتدوا بغيبة موسى عليه السلام بزيادة أيام حتى خالفوا وصيه، وفعل سامري هذه الأمة مما هو دون عبادة العجل، وكيف لا يكون علي معذورا في تركه قتال سامري هذه الأمة؟
وإنما علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده، فاستحسن الملك كلامه.
فقال الشيخ: أيها الملك زعم القائلون بإمامة سامري هذه الأمة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يستخلف، واستخلفوا رجلا وأقاموه، فإن كان ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم على زعمهم من ترك الاستخلاف حقا، فالذي أتته الأمة من الاستخلاف باطل، وإن كان الذي أتته الأمة صوابا، فالذي فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطأ بمن يلصق الخطأ بهم أم به؟
فقال الملك: بل بهم. [فقال الرجل ظ] (3) وكيف يجوز أن يخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا ولا يوصي بأمر الأمة؟ ونحن لا نرضى من أكار في قرية إذا مات وخلف مسحاة وفأسا لا يوصي بهما إلى من بعده؟ فاستحسنه الملك.
فقال الشيخ: وهنا كلمة أخرى: زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف فخالفوه باستخلافهم، لأن الأول استخلف الثاني، ثم لم يقتد الثاني به ولا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى جعل الأمر شورى في قوم معدودين، وأي بيان أوضح من هذا؟... " (4).