إن الحقارة التي تصيب الفرد على أثر الإجرام تفقده شخصيته، ومهما كان قويا في إرادته فإنه يضعف وينهار... ثم يسعى لإخفاء ضعفه النفسي والتظاهر بالقوة والثبات، في حين أن فشله وتأثره الباطني لا بد وأن يظهر من خلال افعاله وأقواله.
«إننا نخفي خواطرنا المؤلمة والمخجلة في ضمائرنا حتى نكون بمنجى عن تعذيبها ، ولكنها تملك نفوذا تاما في أفكارنا وسلوكنا على الرغم من جميع محاولاتنا، إننا نجهل ذلك وقد لا نعي شيئا عن علل سلوكنا، لذلك فإننا نتندم من عملنا ونتحير: لماذا صدر العمل الفلاني منا، أو لماذا جرت الكلمة الكذائية على لساننا. إن الخواطر المدفونة لا تموت ولا تفقد قدرتها مطلقا، بل تقود سلوكنا نحو ما تريد» (1).
إن الذلة والحقارة عند بعض المجرمين واضحة تماما من خلال تواضعهم الشديد. إنهم يبدون تواضعا مفرطا تجاه الناس بغية إخفاء جرائمهم. كذلك الموظفون الذين يرتشون ولا ينفذون المعاملات التي ترد عليهم إلا إذا كان صاحبها قد أسدى خدمة مهمة إليهم، فهؤلاء يتميزون بالتواضع وحسن الأخلاق مع المراجعين فيحدثونهم بكلمات من قبيل: في خدمتكم، طوع أوامركم، كما تأمرون، سمعا وطاعة... وما شاكل ذلك.
لا ريب في أن هذا النوع من التواضع الذي يستند إلى الإجرام والخوف من الفضيحة ليس فاقدا للقيمة فحسب، بل إنه يدل على حقارة الشخص واستسلامه للذل والهوان.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «من أحب أن يكون أعز الناس فليتق الله عز وجل» (2).