الحجاج ليعاقبهم على ذلك، فتحقق عن وضع كل منهم وعين لكل عقوبته، وعندما وصل إلى آخر رجل منهم قام المؤذن للأذان معلنا دخول وقت الصلاة، فقام الحجاج وسلم المتهم إلى أحد الحاضرين واسمه (عنبسة) وقال له: خذه معك إلى البيت وأحضره لي غدا حتى أقرر عقوبته فنفذ عنبسة الأمر وخرج معه من قصر الامارة. وفي الطريق قال له المتهم: هل يرجى منك خير؟ فقال له عنبسة: حدثني بما تريد فعلي أوفق لأعمل لك خيرا. فقال المتهم: والله لست خارجيا، لم أخرج على مسلم، ولم أشهر سيفي على أحد، وأنا بريء من هذه التهمة المنسوبة إلي وبالرغم من أنهم قبضوا علي وأنا بريء فان أملي برحمة الله العظيم وطيد، وأعلم أن فضله سيشملني ولا أعذب من دون ذنب ولكن أرجوك ان تسمح لي بالذهاب إلى أهلي هذه الليلة لأودعهم وأوصيهم بوصاياي وأؤدي حقوق الناس وسأحضر عندك غدا صباحا. يقول عنبسة: لقد استغربت من هذا الطلب الذي توجه به المتهم فلم أجبه، فكرر علي السؤال، حتى أثر كلامه في نفسي، وخطر ببالي أن أتوكل على الله وأنزل عند رغبته فصممت على ذلك وقلت له: اذهب ولكن يجب أن تعاهدني على الرجوع غدا، فقال الرجل: عاهدتك على أن أحضر غدا صباحا وأشهد الله على هذا العهد، ثم ذهب حتى غاب عن عيني. ولكن ما إن رجعت إلى نفسي حتى اضطربت اضطرابا شديدا وندمت على ما فعلت فقد عرضت نفسي لغضب الحجاج من دون سبب، ولازمني الاضطراب حتى ذهابي إلى البيت فذكرت ذلك لأهلي فلاموني... ولكن لات حين لوم.
لم أنم تلك الليلة، كنت أتململ كالسليم، وأتقلب كالثكلى، وعند الصباح وفى الرجل بعهده فتعجبت من مجيئه وقلت له: لماذا حضرت؟ قال: من آمن بالله واعتقد قدرته وعظمته وعاهد على أمر وجعل الله شهيدا على عهده فلا يخلف عهده. فأخذته إلى قصر الامارة في الساعة المقررة وذكرت للحجاج ما جرى بيني وبينه الليلة السابقة، فتعجب من ايمان الرجل ووفاءه بعهده، ثم قال لعنبسة: أتريد أن أعفو عنه لأجلك فقال: لو تتكرم علي بذلك فلك المنة العظيمة، فعفا الحجاج عن المتهم وأخرجه عنبسة من دار الامارة وقال له بكل