لإعطاء فكرة بسيطة عما خلفته حركة الوضع والكذب على الرسول (ص)، والتي انطلقت مبكرة وعرفت أوج ازدهارها في العصر الأموي بالذات. وإنما ذكرنا ذلك لأن هذه الحركة التحريفية الكبرى ستكون بمثابة الخلفية الأولى لظهور المذاهب الفقهية والأصولية، والمبرر الأهم لاختلاف هذه المذاهب في الأصول والفروع.
وإذا كانت للسلطة اليد الطولى في خلق مادة الاختلاف وجعله ضرورة لا محيد عنها، فإن هذه السلطة سيكون لها دور آخر أشد خطورة من الأول.
إنه التشجيع على صنع المذاهب والمدارس ودعم دعاتها والقائمين عليها ودعوة الجماهير المسلمة العامة إلى الانخراط فيها والالتفاف حول أصحابها، شريطة أن تحافظ السلطة على خيوط قوية ومتينة تربطها برؤساء هذه المذاهب أو المدارس الأصولية والفقهية.
وإذا قال قائل لماذا تتحمل السلطة كل هذا العناء، فإن التاريخ الإسلامي سيجيبه بأن جل الحكومات التي تعاقبت على الخلافة الإسلامية لم تكن تمتلك الشرعية الكافية. فلم يكن الأميون ولا العباسيون يمتلكون الشرعية الدينية. وكانت المعارضة لهما في الغالب دينية أصيلة، ممثلة في أئمة أهل البيت الذين عاشوا بين ظهراني الحكومتين، ولم يستطع ملوك بني أمية أو بني العباس أن يزحزحوهم عن مطالبتهم بحقهم قيد أنملة رغم القتل والتهجير.
ومعارضة أخرى مزيفة ومسلحة ينشد أصحابها الملك حينا، والعدالة الاجتماعية حينا آخر. وكلا من المعارضتين يحمل إلى جانب السيف سلاح الدين ونصوصه المقدسة، سواء ما صح منها أو ما وضع لهذا الغرض بالذات.
لذلك كانت الحرب التي خاضها الأمويون والعباسيون حربا ذات شقين أو واجهتين: الحرب العسكرية التي تلتقي فيها الجيوش وتنتهي بمنتصر ومنهزم.
والحرب كانت سجالا بين جميع الأطراف. وحرب أخرى لا تقل خطورة عن الأولى وهي الحرب الايديولوجية أو النظرية. فمن أثبت بنص المنقول عن