ونصوصه شاهدة على ذلك. وهذا الكلام قد انتبه إليه أصدقاء الشيخ قبل خصومه. أنظر إلى قول الحافظ القسطلاني وهو يعالج مسألة خلق القرآن:
" العجب ممن ينتمي إلى أهل السنة ويتعرض للاقتداء بالسلف الصالح منهم ويعتمد على ما ورد في الكتاب والسنة كيف يخالف قوله قولهم وينتهي إلى ما لم يرد عن السادة المقتدى بهم، من الخوض في كيفية الكلام فيزيد فيه - بحرف وصوت - ولم يرد ذلك في كتاب ولا سنة، ويستدل على إثبات المقطوع به بالمظنون من الأحاديث المتضادة المتون " (116).
أما إذا رجعنا إلى القضايا الأخرى التي اختلف حولها الشيخ الحراني مع خصومه من أهل السنة والصوفية، مثل تحريمه شد الرحال لزيارة قبر الرسول أو التوسل بذاته (ص)، أو مفهومه الخاص بالشرك والتوحيد، ودعاء الأنبياء والصالحين وزيارة قبورهم والاعتكاف عندها للعبادة وغير ذلك من القضايا.
فإن الباحثين يقولون بأن أحدا قبل الشيخ لم يوليها الاهتمام الذي أولاه لها الشيخ، وقد درج السلف والخلف قبل ابن تيمية على شد الرحال لزيارة قبر الرسول وقبور الأولياء والصالحين، والتوسل بذاته (ص) وبناء الأضرحة على قبور الصالحين والعبادة عندها، كما أنهم فهموا قضايا التوحيد والشرك بخلاف ما ذهب إليه الشيخ. وتراث الصحابة والتابعين والأئمة كان وما زال معتمد الجمهور فيما يعتقدونه ويسلكونه، طيلة سبعة قرون خلت. إلى أن بزغ نجم الشيخ الحنبلي فخالفهم وأنكر سلفيتهم.
وإنما مبلغ علم الشيخ أنه انتقى لنفسه أحاديث وروايات، ورجحها على كثير غيرها، وأضاف إليها فهمه الخاص، معضدا بأقوال منقولة عن بعض الأئمة والفقهاء، حيث شكى الكثير من الباحثين قديما وحديثا عدم أمانة الشيخ في نقله كلامهم. بل صرح بعضهم بكذب الشيخ وافترائه، مثل الشيخ