العلو، ولا قال ذلك الخلفاء الراشدون، ولا أحد من الصحابة (95).
ومن فحص وفتش وبحث وجد أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والصدر الأول لم يكن دأبهم غير الإمساك عن الخوض في هذه الأمور وترك ذكرها في المشاهد، ولم يكونوا يدسونها إلى العوام، ولا يتكلمون بها على المنابر، ولا يوقعون في قلوب الناس منها هواجس كالحريق المشتعل، وهذا معلوم بالضرورة من سيرهم، وعلى ذلك بنينا عقيدتنا وأسسنا نحلتنا، وسيظهر لك إن شاء الله تعالى موافقتنا للسلف ومخالفة المخالف (أي ابن تيمية) طريقتهم وإن ادعى الاتباع، فما سلك غير الابتداع (96).
ويستطرد ابن جهبل موردا أقوال الصحابة وعلماء التابعين وسيرتهم في معالجة قضايا التوحيد الدقيقة، وأنهم كانوا يضنون بها على العوام وعلى غير أهلها، ولا يخوضون في تفاصيل ذلك إلا اضطرارا، قمعا للبدع كما وقع للأئمة كمالك والشافعي وابن حنبل وغيرهم وإذن فابن تيمية عندما أشرك العوام في معالجة دقائق التوحيد وجزئياته لم يكن سلفيا، وإنما كان مبتدعا منحرفا عن طريق من يعتبرهم هو نفسه رجالات السلف، مع أن الذين خاضوا في قضايا التوحيد والعدل ونشروا جزئياتها بين الناس وأثاروا الشبهات والاختلافات العقائدية لم يكونوا - وحسب ابن تيمية كذلك - من السلف الواجبي الاتباع بل من مبتدعة الأمم وبالخصوص متأسلمة اليهود والنصارى وبعض رجالات الملل والنحل المخالفة