الحضارة، وتعرت أعطافه من ملابس النضارة " (121). فلا شك أن هذه البيئة الصحراوية الجافة كان لها تأثير على نفسية الصبي، وهذا معلوم بالضرورة فأخلاق وسلوكيات البدو الذين يعيشون في الصحاري والقفار تكون جافة غليظة، بخلاف سكان الحواضر والبوادي الخصبة حيث الأنهار والبساتين والأشجار الكثيفة. وهذا من تأثير الطبيعة والجغرافية على الإنسان، وهي مسلمة علمية وعرفية.
وعندما هاجر الصبي من حران، استقر به المطاف في دمشق فأكمل نشأته فيها حتى بلغ من الكبر عتيا وأهل دمشق - بالخصوص - يعرفون ببعض الجفاء والخشونة في المعاملات بخلاف أهل حلب مثلا. وربما لذلك كان للمذهب الحنبلي أتباع هناك ومدارس.
المسألة الثانية: ترجع إلى المذهب الحنبلي فقد ولد الشيخ ابن تيمية في بيت المشيخة الحنبلية واستمر يرتع وينمو في أحضان هذا المذهب إلى أن تولى رئاسته. والصفة المميزة والخاصة لأتباع هذا المذهب كانت وما زالت تتمثل في الجفاء والغلظة، وقد وصفهم ابن عقيل الحنبلي قائلا: " قوم خشن تقلصت أخلاقهم عن المخالطة وغلظت طباعهم عن المداخلة... (122). ويقول صاحب النهج الأحمد: " فقد كنا في عهد الصبا نسمع الرجل يصف رجلا آخر فإذا أراد أن ينعته بضيق الصدر والتزمت وصلابة الرأي وعدم انقياده للحديث يلقى إليه قال " أنه حنبلي " ولا يزال الناس إلى يومنا هذا يذكرون هذه العبارة في مثل هذا المعرض (123).
هذا الجفاء والغلظة كانت السبب في كثير من خلافاتهم مع علماء وفقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى. فقد كان الحنابلة يرون أنفسهم بمنأى عن سائر