أرجع لأقول بأن البحث في حياة الرجل وأفكاره ليست بالأمر الهين، لكثرة الآراء المتناقضة المسطرة حوله في كتب التاريخ.
لكن تراثه وما خطه يراعه، بالإضافة إلى ما عليه أتباعه اليوم، لا يدع مجالا للشك من أن ما وصمه به خصوصه هو الواقع والمطابق للحقيقة تماما.
لقد كان الرجل واسع الاطلاع على تراث الفرق الإسلامية لكنه لم يكن دقيقا ولا مختصا. إنما قارئا سطحيا، لذلك وقع في الأخطاء، سواء عندما أراد أن يجعل من نفسه حكما وميزانا، أو عندما اجتهد لنفسه آراء مخالفة لما عليه جمهور العلماء وإن كان قد أصاب في بعضها (118).
فقد استطاع كل فريق خاصمه ابن تيمية أن يثبت تهافت كلام الشيخ في حقه وتناقضه وعدم معرفته بكلام خصومه. لذلك اتهموه بالكذب والتزوير وعدم الأمانة في النقل، وقد أوردنا بعضا من حججهم في ذلك. كما أجمعوا على أن الشيخ كان سطحيا وظاهريا في معالجته لكثير من قضايا الفكر الإسلامي المختلف فيها.
أما حدة الصراع والرفع من وتيرته لدرجة إدخال الشيخ للسجن والحكم بضلاله وكفره، فإن ذلك راجع لسلوك الشيخ وموقفه الحاد من خصومه في الرأي، واعتداده بنفسه لدرجة الغرور الممقوت. يقول جلال الدين السيوطي في وصف حال الشيخ الحنبلي، " وقد تعبت في رزيته وفتنته حتى مللت في سنين متطاولة فما وجدت قد أضره في أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا بالكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار (119). والسيوطي لم يكن عدوا لابن تيمية، وإن