خالفه في كثير من القضايا (120). لكنه كان مصيبا فيما وصف به الشيخ.
زد على ذلك حدة في الطبع وجفاء وغلظة في التعامل مع من جعلهم خصوصا له. وقد حاول البعض أن يرجع هذه الحدة والمزاج الصعب والمتقلب إلى كون الشيخ لم يتزوج طيلة حياته. ولا شك أن الكبت الجنسي كما أثبت العلم المعاصر، يضغط على الأعصاب ويؤثر عليها، فيتعرض الإنسان على أثر ذلك لموجات عصبية حادة. وهذا القول لا شك أن فيه بعضا من الصحة ويمكن أن يكون مفتاحا لحل لغز التناقض الحاد في أفكار الشيخ وأحكامه.
فقد عثر الباحثون - كما أشرنا إلى ذلك سابقا - على أحكام وآراء متناقضة له في المسألة الواحدة. فهو حينا يعالج القضية بهدوء وتفهم وكأنه تلميذ يشرح كلام أستاذه بصدق وأمانة، وتراه حينا آخر مندفعا لا يلوي على شئ مجردا خصومه من كل فضيلة أو علم ناسبا إياهم إلى الضلال والابتداع أو الكفر، بل ليسوا سوى تلامذة لفلاسفة اليونان الوثنيين أو أتباع بوذية الهند وأنباط الفرس.
ونحن نقول بعد متابعة شاملة لحياة الشيخ ومذهبه وسيرة أصحابه، بأن الحدة والمزاج الصعب والجاف الذي يتكلم عنه الباحثون يجدون تفسيره في مسألتين مهمتين بالإضافة إلى الكبت الجنسي أو كونه عاش وحيدا دون أهل أو زوجة.
المسألة الأولى: تتمثل في البيئة الجغرافية التي فتح الشيخ فيها عينيه وتربى ونشأ، وهي مدينة حران التي وصفها الرحالة ابن جبير بقوله: " ولا تزال تتقد بلفح الهجير ساحاته وأرجاؤه - أي بلد حران - ولا تجد فيها مقيلا، ولا تتنفس فيها إلا نفسا ثقيلا، قد نبذ بالعراء، ووضع في وسط الصحراء فعدم رونق