السلف " (114). هذه المخالفة التي سيرفضها أهل السنة والجماعة، الذين يعتبرون أن الباء في بعض الآيات القرآنية مثل " فأنزلنا به الماء " و " فأخرجنا به من كل الثمرات " لا تفيد السببية الحقيقية، وإن اعتقاد ذلك " كفر وشرك بالله عز وجل باتفاق الملة وبدلالة النصوص القرآنية القاطعة (115).
طبعا نحن هنا لا ننتصر لرأي الدكتور البوطي على إطلاقه وإنما أوردنا هذه المسألة الشائكة، والتي أدلى الشيخ الحراني بدلوه فيها، فقط لتأكيد ما ذهبنا إليه من أن الشيخ قد خاض غمار الفلسفة وعلم الكلام وأنه أبحر بعيدا جدا عن شاطئ السلف. على الأقل كما يفهم هو من مصطلح السلف.
وأصحابه اليوم عاجزون تماما عن إيجاد مستند تاريخي يثبت أن الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الفقهية، قد اشتغلوا بهذه المواضيع الفلسفية والكلامية الدقيقة، فضلا عن الدراسة والتحليل وترجيح الآراء والانتصار لبعضها دون الآخر، كما فعله الشيخ الحنبلي! والحقيقة أننا لا نعيب عليه ذلك فطلب العلم ونشدان الحقيقة فرض عقلي وشرعي.
وإنما المذموم هو أن نحرم على الناس ما أبحناه لأنفسنا. وأن نمنعهم من تذوق لذة المعرفة والبحث، كما أن احتكار الحقيقة فيه من الغرور والتطاول على الحقيقة ما فيه. ولا شك أن التعدد في الآراء والاستنتاجات يغذي ميدان المعرفة وينعشه، وإنما الحكمة ضالة المؤمن. ولا يمكن لأحد أن يصد باب المعرفة والبحث بحجة أن بعضا من الصحابة لم يفعلوا ذلك أو أن النتائج التي نتوصل إليها لم يعرفها هؤلاء أو غيرهم من السلف.
لقد أجمع الباحثون على أن " شيخ الإسلام " قد توصل في معالجته لكثير من قضايا العقائد إلى ما لم يرد عن السلف. أو عرف عنهم، وكتب التاريخ