البخاري في كتاب (بدء الخلق) بلفظ " كان الله تبارك وتعالى ولم يكن شئ غيره "، وورد في رواية أبي معاوية في كتاب ذاته " كان الله تبارك وتعالى قبل كل شئ ". وورد في كتاب التوحيد بلفظ " كان الله ولم يكن شئ قبله ".
ولما كانت الروايتان الأوليتان أصرح في الرد على الفلاسفة الذين أثبتوا حوادث لا أول لها، أي أثبتوا ما يسمونه القدم بالنوع، فقد اختار ابن تيمية أن يشطب عليهما ويرجح عليهما رواية "... ولم يكن قبله شئ " (109).
وقد أشار إلى ذلك ابن حجر في فتح الباري وعلق عليه بأن لا مسوغ للترجيح ما دام " الجمع يقدم على الترجيح " (110).
والنتيجة أن " شيخ الإسلام " تطوح في هذه المسألة وتخبط وتقاذفته أمواج الفلسفة فرمت به بعيدا عن السلف اعتقادا وسلوكا. وإن كان الدكتور البوطي لم يجنح إلى تكفيره صراحة كما صرح الغزالي بكفر الفلاسفة الذين يعتقدون بقدم العالم، فإن شيخ الإسلام قد كفاه تعمد ذلك عندما قال في إحدى رسائله حول معنى الاستواء وبعض آيات الصفات: " ثم يقال لهؤلاء:
إن كنتم تقولون بقدم السماوات والأرض ودوامها، فهذا كفر، وهو قول بقدم العالم (111).
ونرجع مرة أخرى إلى التناقض في كلام الشيخ وكتاباته ليتبين لنا أن الحقيقة السلفية أو مذهب السلف عند الشيخ، كائن برأسين كل منهما ينطق بخلاف الآخر. ونرجو من أتباعه اليوم أن يحيلونا على الصواب في هذا الاختلاف والتباين علنا نستحق أو نظفر بالانتساب إلى مذهب السلف، هذا المذهب الذي لا يحيد عنه إلا زائغ مبتدع ضال.