ولكنهم لن يتفقوا على كفر من خالف ذلك. فإن القدرية الذين يقولون إن أفعال الحيوان لم يخلقها الله، أكثر من أن يمكن ذكرهم من حين ظهرت القدرية في أواخر عصر الصحابة إلى هذا التاريخ، ثم قال: " وأعجب من ذلك حكاية الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شئ غيره معه، ثم خلق الأشياء كما شاء " (104).
لقد أنكر ابن تيمية الإجماع الذي ذكره ابن حزم والقاضي بتكفير من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شئ غيره معه، ثم خلق الأشياء كما شاء وبعدما أورد كلام علماء الكلام والفلاسفة في هذه المسألة. انتهى إلى ما قرره الفلاسفة من أن الأشياء حادثة بالعين والجزئيات ولكنها قديمة بالنوع وسلسلة التوالدات، وأكد ذلك بقوله: " ولكن فرق بين حدوث الشئ المعين، وحدوث الحوادث شيئا بعد شئ " أي فالأول هو الحادث بعد أن لم يكن، أما سلسلة الحوادث المتوالدة شيئا بعد شئ - على حد تعبيره - فهي قديمة مستمرة (105).
فابن تيمية الذي يكفر خصومه لأدنى المواقف الاجتهادية التي قد يخالفهم فيها، يرى أنه لا يوجد إجماع من السلف وأهل السنة والجماعة على كفر من زعم أن الله وحده ليس خالق كل شئ. ودليله على عدم وجود هذا الإجماع أن القدرية يعتقدون - على حد قول ابن تيمية - أن أفعال الحيوان لم يخلقها الله...
فلئن كان القدرية أو أي فئة أخرى غيرهم. يعتقدون أن ثمة خالقا سوى الله تعالى أوجد شيئا ما من العدم بقدرة مستقلة غير مستمدة من الله عز وجل، فهو كافر بدون أي خلاف ولا ريب. غير أني - يقول البوطي - ما سمعت وما رأيت إلى هذا اليوم إن القدرية يعتقدون أن أفعال الحيوان لم