أما من حيث السلوك فلا يشك أحد في أن ابن تيمية قد اشتغل بعلم الكلام والفلسفة، وقد اعتكف على قراءة كتب الفلاسفة وعلماء الكلام. وإلا كيف تسنى له معرفة آرائهم ومن ثم رد عليها، ويظهر من مجموع كتبه تبحره في هذا الميدان ومعرفته باصطلاحات القوم وهو قد استخدمها غير ما مرة، لقد تربع على موائد الفلاسفة وعلماء الكلام فشرب منها حد الارتواء، وملأ بطنه من أصناف مأكولاتها حتى التخمة وقد ظهر ذلك جليا في إنتاجه وكتاباته.
ولعمري إن أحدا ممن يعتبرهم الشيخ سلفا لم يفعل ذلك ولا عرف عنه حتى معرفته بعناوين كتب القوم، وليس الدراسة والهضم من ثم الرد والمناقشة، والخوض في الدقائق عبارات اليونسية والفلاسفة كما يقوله عنه الحافظ الذهبي معاصره مخاطبا: " يا رجل قد بلعت سموم الفلاسفة وتصنيفاتهم مرات، وكثرة استعمال السموم يدمن عليه الجسم، وتكمن والله في الجسد (101). وفعلا فقد كمن بعضها في جسد الشيخ، فتجرد للدفاع عنه ونشره ليس باعتباره من عقائد الفلاسفة وإنما من عقائد السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الفقهية. الذين يتبرأون مما نسب إليهم ادعاء وزورا.
لقد عاب ابن تيمية على أهل السنة " اشتغالهم بعلم الكلام ونسبهم إلى مخالفة السلف في ذلك لكنه تزود منه بما يكفيه وزيادة، فكان يحرم على غيره ما أباح لنفسه، وبعض السذج ممن يطلقون على أنفسهم " سلفية "، قد يرد على ذلك بأن شيخ الإسلام اطلع على ذلك ليعرف الصواب من الخطأ ولما حصل له العلم بذلك أفتى بما وصل إليه من الحقيقة فيجب إذا اتباعه في ذلك لأنه هو الحق.
ونرد على هذا الحشو الفكري بأن ابن تيمية كان مبتدعا في دراسته